يقول الممثل المغربي للممثلة المغربية خلال المسلسل المغربي الذي يعرض في التلفزة المغربية:
"كنبغيك أّفطيمة.. كنحماق عليك"
فيلتفت المشاهدون المغاربة لبعضهم... ثمّ ينفجرون بالضحك...
التلفزة المغربية هي أفضل مرآة يمكن أن تعكس واقع التصحّر العاطفي الذي تعاني منه لغتنا المتداولة وهي أفضل كاشف لقصورها الرومانسي. فنحن نتحدث في الدارجة عن الزواج وعن الطلاق وكلّ الأمور "الجدّية" الأخرى لكنّ حديث الحبّ والمشاعر الجياشة المرتبطة به لغتنا تقفز عليه و تتبرم منه، بل تنظر إليه في الغالب "كلعب دراري"... لا مرادف حقيقي لكلمة حبّ في حديثنا اليومي... لدينا "البغُو" وهو مصدر فقير عاطفيا يثير الضحك أكثر مما يحيل على إحساس بعينه، مثله مثل الفعل المشتق منه "بغا يبغي" أمّا "الشّيخة" في الاغنية الشعبية فتعتبر الأمر مجرد "ربطة زغبية"...
يمكن اعتبار مفهوم "الحبّ" من القضايا المعلقة التي لم يتمّ الحسم فيها لُغويًا إلى يومنا هذا في دارجتنا،
لهذا السبب يضطر العشاق المغاربة ومنذ عقود من الزمن للجوء إلى الفرنسية أو إلى العربية الفصحى من أجل التعبير عن حبّهم، خصوصا وأنّ الموقف أصلا يمرّ وسط حالة من الإحراج والارتباك الشديدين. فكلمة "كنبغيك" لا تنجح تماما في إيصال تلك الشحنة العاطفية التي يتضمنها الإحساس بالحب، الأمر الذي يجعل المغاربة فرنسيين أو مشارقة عندما يحبّون. اللجوء اللغوي إذن، هو السائد في هذه النازلة... هذا طبعا فيما يتعلق بالاعتراف المباشر، لكن لحسن الحظ هناك طرق أخرى غير مباشرة للاعتراف يمكن أن تعفي المغربي من حرج الموقف... فنحن مثلا عشاقا سابقين كنّا نتبادل الرسائل الورقية المعطرة التي كنّا نضمنها مشاعرنا الرقيقة وتعابيرنا المنقولة بعناية من "كتاب الرسائل الغرامية" الذي كنّا نتداوله بيننا كما يمكن أن نتداول منشورا سريا. متعة كتابة رسائل الحب كانت تضاهي متعة لقاء المحبوب بل أحيانا كانت المتعة تصبح جماعية عندما كنّا "نتعاون" في تحرير رسالة أو ونحن نختبئ لنقرأ الجواب الذي وصل للتوّ... اليوم تنقرض الرسائل الورقية وتحلّ محلّها الرسائل القصيرة على الهواتف. رسائل التكنولوجيا الحديثة تجعل المأمورية سهلة تماما، فمن جهة ترفع الحرج الذي تحدثنا عنه سابقا ومن جهة أخرى فهي لا تستدعي المجهود الذي كانت تستدعيه جدّتها الورقية.
الحبّ يتجوّل اليوم حرّا طليقا بين الهواتف والحواسيب، مختصَرا، مركّزا.. وسريعا. سرعة سوف تضيع بسببها الكثير من التفاصيل التي كانت تتبّل قصص الحبّ القديمة و تعتق ذكرها العزيز في لحظات البوح... يخيّل لي أنّ عشاق اليوم رفعوا الكلفة كثيرا بينهم وبين الحبّ، حتّى أنّه أصبح يبدو متاحا وبمجهود بسيط. يخيّل لي أن ّكلمة "أحبك" أصبحت مزحة خفيفة مثل كلّ المزحات الأخرى التي يمكن أن نقولها أو نسمعها دون أن نسقط مغميا علينا...لم يعد الحبّ شبيها بإعصار كبير يقلب وجودنا رأسا على عقب... حتّى أنني أشك أنّ أحدا ما زال يضبط ذبذبة حياته اليوم على موجة الحبّ الكبير، كما كنا نفعل في زمن عبد الحليم حافظ... يخيّل لي، بل أظنّ أنّ الحبّ أصبح غريبا، وقد يأتي يوم لن نعثر فيه على عاشق حقيقي يقسم مسار حياته إلى شطرين: ما قبل الحب وما بعد الحب...
هو مجرّد ظنّ ...وإنّ بعض الظنّ إثم... وكلّ عام وعشاق المغرب... بخير.