|
|
|
|
|
أضيف في 30 مارس 2013 الساعة 14 : 12
*عبد الرحيم المنار اسليمي.
نشرت جريدة "أخبار اليوم" الصادرة في عددها 1020 الصادر يوم الثلاثاء 26 مارس 2013 خبرا على صفحتها الأولى تحت عنوان "هذه بعض أسرار لجنة المانوني" خبر ،في شكل نافدة صغيرة غير موقعة وضعت صورة المستشار الملكي الأستاذ "عبداللطيف المنوني" على جانبها ، خبر تضمن مجموعة من الجمل اعتبرتها هيئة الجريدة في افتتاحية "شبه اعتذار "لمدير تحريرها الصادرة يوم الجمعة 29 مارس 2013 بأنها عادية وان الجريدة لم تكن تتوقع كل هذه الضجة ،هذا الخبر ليس عاديا، يمكن أن تنشره الجريدة اليوم وتعتذر عنه غدا ، وإنما هو خبر يحمل مجموعة من المخاطر بالنظر الى المسافة الزمنية التي كتب فيها بعد سنة وثمانية أشهر على استفتاء 1يوليوز 2011 الذي صادق فيه المغاربة على الدستور الجديد .
هذا الخبر ،الذي نشرته جريدة أخبار اليوم تحت عنوان "هذه بعض أسرار لجنة المنوني " يحمل مجموعة من المخاطر للأسباب التالية :
السبب الأول ، لأنه يتعلق بوثيقة دستورية جوهرية تؤطر كل التحولات الجارية في مغرب اليوم ،الوثيقة التي انطلق النقاش حولها منذ خطاب 9 مارس وتشكلت على إثرها اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور من جامعيين وحقوقيين وقضاة مغاربة،وتشكلت على إثرها آلية للمتابعة وتبادل الرأي بشان مراجعة الدستور من أربعة وثلاثين هيئة حزبية ونقابية،و لا يمكن لاحد ،يحلل بطريقة منطقية، الاعتقاد اليوم انها كانت هيئات شكلية تجتمع "لشرب الشاي" ،وان هناك هيئات أخرى مزعومة هي التي كانت تحسم في القضايا الجوهرية للدستور .
السبب الثاني ، خبر خطير لأنه يمس بطريقة غير مباشرة بوثيقة جوهرية من المفترض اليوم أنها العقد السياسي الرابط بين الحاكمين والمحكومين ،وأنها الوثيقة التي تؤطر وتنظم عمل كل الفاعلين السياسيين وغير السياسيين، الوثيقة التي تعبر عن اتفاق على التعايش السياسي بين المغاربة ،وأنها ،بلغة القانون الدستوري، السقف الضابط لكل التحولات السياسية ،وأنها الوثيقة التي جعلت المغرب مختلفا في مساره عن باقي التجارب العربية ،فتوجه المغاربة يوم الاستفتاء إلى صناديق الاقتراع لم يكن من اجل "المتعة" و"الفلكلور" ولم يكن "يوم إجازة" وإنما يعبر انتقالهم الكبير الى صناديق عن طلب على التعاقد السياسي وعلى نوع الحكم والمؤسسات والحقوق والحريات التي يتضمنها الدستور .
السبب الثالث ، خبر خطير، لأنه بعد أن دعي المواطنون والمواطنات المؤهلون للمشاركة في الاستفتاء للإجابة ب"نعم" او "لا" على السؤال التالي : "هل توافقون على مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء؟" ،وبعد موافقة المغاربة على الدستور وصدور قرار المجلس الدستوري (قرار رقم 2011-815)الذي يعلن أن الشعب المغربي وافق على مشروع الدستور الذي استفتي في شانه ، وبعد صدوره في الجريدة الرسمية ،وبعد انتخابات 25 نونبر 2011 التي كان أساسها هو الدستور ،وبعد تنصيب حكومة "عبدالاله بنكيران " بالدستور، وانطلاق نقاشات كبرى في الفضاء العمومي حول طرق تفعيل الدستور وتنزيل مجموعة من القوانين التنظيمية ،يبدو ان هذه العودة بخبر من "مصدر مطلع " مجهول هي قفز على كل هذه المحطات المسطرية والدستورية، مما يعنى ان الأمر يتعلق بخبر قد يمس مسار بالأمن القانوني للمملكة لارتباطه بصناعة معلومة مجهولة لها علاقة بوثيقة جوهرية هي أساس التحول الجاري اليوم في المغرب وليس خبر صغير معزول كما تعتقد الجريدة .
السبب الرابع ، الخبر له درجة كبيرة من الخطورة من زاوية المهنية، حيث انه يسند الى ماسمي "مصدر مطلع" ،وهي ظاهرة غريبة باتت تكرر في بعض الكتابات الصحفية المغربية ،اذ انه بات واضحا انه يمكن لأي شخص ان يصنع شيئا في جلسة من جلسات المقاهي ويسميه خبر ويحيطه بهالة من السرية ويقدمه الى القراء بإسناده الى "مصدر مطلع" ،فمصطلح "مصدر مطلع" هو مصدر صحفي "شبح " قابل للعديد من القراءات والتأويلات قبل قراءة مضمون الخبر نفسه.
السبب الخامس ،ما سمي بالسري خطير، لأنه يتضمن جملة حول الأستاذ "عبد اللطيف المنوني" بأنه كان "يوجه بطريقته أعضاء اللجنة الاستشارية لوضع الدستور ،في الاتجاه الذي اتفق عليه في اللجنة الموازية" ،وهو أمر يمس بأعضاء اللجنة الاستشارية نفسها ،وقد تتبعنا في العديد من المحطات بعد وضع دستور 2011 تصريحات متعددة في لقاءات علمية وصحفية لبعض أعضاء اللجنة وهم يدافعون عن الوثيقة الدستورية التي قاموا بإعدادها وصياغتها دون أن يقدم أي منهم انتقادات للطريقة التي كانت تدار بها أعمال اللجنة الاستشارية .
السبب السادس ،ما سمي ب"السري" خطير،لأنه اختار زوايا معينة من الدستور ونسب الحسم فيها الى اللجنة المصغرة المزعومة ، فقد اختار الدين والملكية والهوية ،فهل معنى هذا ان هناك من يختار للمغاربة دينهم وشكل ملكيتهم وهويتهم وهي عناصر دستورية تؤسس الثوابت الغير القابلة للاختلاف في النظام السياسي المغربي ؟ وهل هذا يعني أن الدين الإسلامي كان موضوع خلاف؟
السبب السابع، ما سمي ب"السري" خطير ،لان الخبر اختار رجال دولة من المحيط الملكي دون آخرين ،وهو اختيار غير بريء ،فاختيار رجال دولة كالمستشار الملكي الأستاذ "عبداللطيف المنوني " والسيد "محمد ياسين المنصوري" المدير العام للمديرية العامة للدراسات وحفظ المستندات ، هو اختيار لرجال دولة معروفين ببعدهم عن الأضواء، رجال دولة مغاربة مثل باقي المغاربة، فالأستاذ "عبداللطيف المنوني" المستشار الملكي والذي لازال جامعيا الى اليوم، يحرص على إلقاء دروسه بل حضور مداولات الامتحانات الجامعية ، وهي حالة نادرة لا اعتقد بان هناك مسؤول في الدولة ظل على ارتباط بالجامعة بعد تعيينه ،فبالأحرى انتظامه على الدروس ومداولات الامتحانات ،هذا الرجل ظل داخل الجمعية المغربية للقانون الدستوري كرئيس لها يحرص على التوافقات ويرفض فكرة ممارسة التأثير او"التوجيه بطريقته"معينة في جمعية تضم جامعيين ،فكيف يمكن لهذا الرجل ان يمارس التأثير والتوجيه بطريقته لدرجة نعثه المبطن في خبر جريدة "اخبار اليوم بالضغط في توجيه عمل اللجنة باتفاق مع لجنة أخرى مزعومة .
واختيار السيد "محمد ياسين المنصوري" يبدو أيضا مقصودا ،لكونه رجل دولة يشتغل بعيدا عن الأضواء ،وهو رجل الدولة المدني الذي يقود المديرية العامة للدراسات وحفظ المستندات الذي لا يتحدث كثيرا ،فتصريحاته النادرة التي نقلتها بعض الصحف العالمية، تبين انه على رأس مهام مديرية تحمل على عاتقها ملفات الأمن على حدود المغرب وخارجه .
السبب الثامن ،الخبر له درجة من المخاطر، لتوقيته الوطني والدولي ، فالخبر يضرب في العمق مرحلة حكومة العدالة والتنمية التي تقود معارك باسم الدستور وتخرج ورقة الدستور في كل الإصلاحات التي يعلن عنها رئيس الحكومة ووزرائه ،ولا احد يعرف ما اذا كان حكومة حزب العدالة والتنمية ستصدر بلاغا في الموضوع ،وما اذا كان أيضا حزب العدالة والتنمية الحاكم ،الذي يستمد شرعيته من الدستور والانتخابات، سيصدر بيانا في الموضوع ،خاصة أن حزب العدالة والتنمية كثيرا ما اعتبر انه الحزب الذي حسم نتيجة ضغطه العديد من القضايا في دستور يوليوز 2011 ؟ أم أن التيار المضاد داخل الحزب لتوجهات الأمين العام السيد "عبد الاله بنكيران" سيعتبر الأمر عاديا ،وان كان الخبر يضرب شرعيته في العمق؟
كما أن الخبر خطير، لأنه يأتي دوليا في مناخ سياسي تتوجه فيه الأنظار إلى المغرب داخل محيط إقليمي وعربي يشكل موضوع تقييم من طرف الحكومات الغربية والمؤسسات الدولية .
ومن المفارقات الغريبة ، ان ينشر هذا الخبر متصادفا مع قمة الدوحة التي أفرزت عشية انعقادها توقيع دولة قطر والجزائر لعدد من الاتفاقيات تتضمن صفقات بملايير الدولارات لفائدة الجزائر، وتعلن هذه القمة ،حسب ما أوردته جريدة العلم في عددها 22556 الصادر يوم الخميس 28 مارس 2013 ،عن تخطيط لمحور الدوحة /الجزائر لمنافسة المغرب و"الاقتصاد الوطني وتبخيس متعمد لادوار بيت مال القدس" .
إن الخبر المنشور في جريدة "أخبار اليوم " بوعي او بدون وعي ،والذي لا يتجاوز 100 كلمة ،ليس خبرا عاديا ،وإنما خبر خطير يجب قراءته في كل سياقاته لأنه يؤسس لسابقة سلبية ، فلا احد ضد حرية الصحافة في المغرب اليوم ،ولكن يجب الانتباه إلى أن اللعب مع الكبار ممكن، ولكنه غير ممكن مع رجال الدولة في قضايا امن الدولة القانوني والسياسي الداخلي والخارجي.
*رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات. manarslimi@yahoo.fr
|
|
2610 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|