أضيف في 22 مارس 2013 الساعة 22 : 19
هل يمكن أن تجد في عملية التبرع بالدم مسألة سلبية من أجل انتقادها؟ الجواب في كل أنحاء العالم هو لا. التبرع بالدم أمر طيب للغاية، وحركة نبيلة يقوم بها الإنسان ويستغني بموجبها عن جزء من سائله الحيوي، بل الأكثر حيوية، من أجل آخرين قد يحتاجونه في يوم من الأيام، خصوصا أن الجسم يعوض هاته المادة فيما بعد بالنسبة للأًصحاء دون أي إشكال. في المغرب نعم. حركة التبرع بالدم، خصوصا وقد أتت من المسؤولين الرسميين أصبحت مدعاة لانتقادات كبرى قوامها الأكبر سؤال بليد للغاية هو: علاش حتى تبرع الملك عاد ناضو الوزراء والمشاهير كيتبرعو؟ الغباء لا يقتل في المغرب بالتحديد، لذلك تبدو أسئلة مثل هاته قابلة للتداول بين ناسنا دون أدنى إشكال, مع ملاحظة لابد منها هي أن أغلبية المنتقدين الفارغين لم يكلفوا أنفسهم عناء الذهاب إلى مراكز التبرع هاته من أجل أن يقوموا بهذا الواجب النبيل, وبعدها إذا ما شاؤوا الحديث المجاني والذي لا يكلف شيئا فلا إشكال على الإطلاق. المسألة لا تقتصر على عملية التبرع بالدم الأخيرة، بل تمتد _بحمد الجهل المسيطر على المكان_ إلى كل المجالات. هناك أناس معنا لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب، ولديهم _سبحان الله العظيم_ دائما الانتقادات اللازمة والكافية من أجل تهديم أي شيء جميل والعثور داخله على العديد من المثالب والعيوب، بل والتنقيب داخل أي شيء يقع في البلد على الوجه الخفي الذي يتوصلون إليه لوحدهم ودون مساعدة من أي جهة من أجل الانتقاد والمزيد من الانتقاد. للراغب في متعة من هذا النوع وبكم لا ينتهي أبدا هناك اليوم ساحة وغى إسمها: الفيسبوك على الطريقة المغربية, أصبحت متخصصة في تصدير واستيراد هاته العينة من الناس، التي لا يكلفها التعبير عن مواقفها أي شيء. كأس قهوة أو شاي أو أي مشروب آخر حلال أو حرام. جهاز حاسوب محمول أو ثابت، في حالات أخرى هاتف نقال حديث يتوفر على إمكانية “لكونيسكيون”، وهاتك يا ردح في كل شيء يهم البشرية: من الكرة وعوالمها إلى السياسة وتعقيداتها مرورا بالتجارة والاقتصاد، والثقافة والعلم وكل ما يهم الناس وأحيانا ما لا يهمهم ولا يعني لهم أي شيء على الإطلاق. الأساسي ليس هو المناقشة أو فتح باب الحديث حول موضوع ما. لا، الأساسي هو العثور على أكبر قدر من العيوب، من النواقص، من الأشياء الخفية التي يكتشفها علماء الساعة الخامسة والعشرين هؤلاء ممن ابتلينا بهم، وأصبحوا ثابتا لا يمكن إطلاقا التعامل مع أي نقطة من نقط الشأن العام دون الرجوع إليهم, وإلى وجهة نظرهم الحصيفة والسديدة في كل شيء. وأعترف أنني لفرط ما استمعت لانتقادات ولا أغبى للحكومة على هذا الفيسبوك، ولكاريكاتورات حاطة من الإنسانية خالية من الإبداع الحق أصبحت متعاطفا مع هاته الحكومة، معتقدا أنها تقوم بأمر طيب وأن هناك جهات خفية تسلط عليها هذا الجهل من أجل زعزعتها ليس إلا. الأمر ذاته أصبحت أحسه تجاه الطبقة السياسية المغربية ككل. أحيانا تتساءل عندما تقرأ بعض هاته الانتقادات الفارغة في الفيسبوك أو في مواقع الأنترنيت التي أصبحت اليوم أكثر من الهم على القلب (كلشي ولا صحافي إلكتروني موصول بالأزرار الكهربائية) عن المراد منها، وعن درجة الحمق في عقول مرتكبيها الذين يفقدون حاسة التمييز بين الانتقاد الموضوعي الضروري, وبين السب الذي لا طائل من ورائه والذي ينفع فقط في التنفيس المرضي عن أشياء داخلية يبدو أننا نهمل علاجها إلى أن يستفحل حالها وتصبح غير قابلة لحل على الإطلاق. ما السبب في كل هاته العدوانية التي أصبحت لصيقة بأهلنا، والتي تعبر عن نفسها بهذا الشكل المرضي الذي يشك ويشكك في كل شيء ويرى المخططات السرية محيطة به من كل مكان؟ هناك استبعاد أهلنا لسنوات عديدة من المشاركة في الشأن العام إلى أن أصبح مرادفا بالنسبة لأغلبيتهم لعمل طائفة سرية تخطط يوميا للمغرب مؤامراتها وتفرضها على الناس، لكن هناك أيضا الجهل المسيطر على المكان، وقلة الاطلاع والقراءة التي رعاها منهاجنا التعليمي بكل ما أوتي من قوة إلى أن أنتج لنا جيل التعليقات الفارغة هذا، الذي لا يكمل حتى قراءة العناوين ويمر إلى السب دون قدرة على تكوين رأي حصيف أو موضوعي فعلا مبني على أساس، وقادر على محاورة حقيقية أو نقاش فعلي. عندما تتأمل المشهد كله من بعيد، تحزن أن هذا الجيل الغاضب للمليء والفارغ من الأشياء هو الجيل الذي سيقود البلد في القادم من الأيام. تعترف بأن جريمة حقيقية ارتكبت في حق المسار العام للأشياء، لكنك توقن أن لا حل سوى إعطائهم هم أيضا فرصة الخطأ التي أعطيت لمن سبقوهم والسلام. قدرنا أن ننتقل من أخطاء إلى أخطاء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. هادا ما كان.
|