لا يجد حزب النهج الديمقراطي ( إن جاز تسميته باسم حزب) ، لأنه لا يكاد يُرى إلا بالمجهر، ككل الكائنات الخفية التي لا يمكن رصدها إلا بالميكروسكوب، ( لا يجد ) ما يلفت به الانتباه أو يفك به عزلته ، غير أن يُطلق بين الحين والآخر زعيقه، حتى ولو اقتضى الأمر الطعن في نزاهة الحركة الوطنية، وما أدرك ما الحركة الوطنية، التي ذاق رجالاتها النفي والسجن والوقوف في ساحات الإعدام من أجل أن ينال المغرب استقلاله، ويدخل مرحلة الجهاد الأكبر، الذي لا يزال متواصلا إلى اليوم، ولولا هذا الجهاد ما أمكن لشخص الأمين العام لهذا الحزب أن يتكلم ... ويطلق الكلام على عواهنه، ويُوزع التهم ذات اليمين وذات الشمال كعنوان كبير عن انحطاط السياسة بالفعل، وهو الانحطاط الذي أوصل أصحابه إلى هذا الدرك الأسفل، وجعلهم يتطاولون على شخصيات مشهود لها بالنزاهة الفكرية والثابت على المواقف كعبدالله إبراهيم وعبدالرحمان اليوسفي...
وقد لا يفهم من ألف أن لا يرى إلا من خلال ثقب الباب، رغم أن البيوت تُدخل من أبوابها سر التوافقات بين الحركة الوطنية والقصر، والتي أثمرت الاستقلال، و دشنت بناء الدولة الحديثة في المغرب، والتعددية الحزبية لأنه تربى ـ فكريا و وجدانيا ـ في أحضان الحزب الوحيد، الذي منعه أول دستور وضعه المغرب، وتغذى من أثداء الثورة البلشفية، وترعرع في أحضان التنظيمات السرية، ولم ير النور إلا في ظل المصالحات التي أقامها المغرب مع ماضيه في إطار مسلسل الإنصاف والمصالحة، وفي ظل الإصرار على ترسيخ تقاليد ديمقراطية جديدة، رسم معالمها الدستور الجديد، الذي لم يجد فيه البعض أنفسهم، لأنهم يعرفون جيدا أن دخولهم معترك الاحتكام إلى ديمقراطية صناديق الاقتراع سيمنحهم صفر نقطة، لذلك يفضلون أن يظلوا على الهامش ويبحثون عن المبررات النفسية التي تبرر هذا الانزواء في الأركان الضيقة.
لقد اختار الاتحاد الاشتراكي انتخاب إدريس لشكر كاتبا أولا وانتزع حميد شباط الأمانة العامة لحزب الاستقلال بصعوبة بالغة وبفراق 20 صوتا عن منافسه، وقبلهما خلق عبدالإله بنكيران المفاجأة بإزاحته سعد الدين العثماني من الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية.
لم يستجدي أي أحد من هؤلاء بحزب النهج الديمقراطي من أجل أن يدعمه في الوصول إلى قمة هرم المسؤولية الحزبية، كما يستجدي اليوم عبد الله الخريف العدل والإحسان من أجل وضع اليد في اليد لممارسة أبشع أنواع الانحطاط، وممارسة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد في حق السياسة... بل إعلان موت السياسة.
إدريس شكري.