يونس الداودي.
أقدم مجموعة من الشباب المعطلين ( بضم الميم و فتح العين) أو العاطلين - سنقبل بالأولى لأنها أقرب للإنصاف - ممن ينتسبون الى تنسيقيات أصحاب الشواهد العليا و المجازين على حرق دمى و مجسمات بنكيران و أعضاء حكومته في خطوة احتجاجية على ما أسموه تماطل الحكومة في حل معضلة التشغيل ، الى هنا الوضع مقبول و عادي في دولتنا التي تلتمس طريقها في ترسيخ الحريات و حقوق الانسان و لكن المثير للانتباه هو مطالبتهم بالتشغيل المباشر و "الفوري" دون قيد أو شرط في أسلاك الوظيفة العمومية.
مما لاشك فيه ان الدولة مسؤولة عن توفير عيش كريم لمواطنيها و تقسيم ثروات البلد بالعدل ليعيش الجميع في وطن يحميه و يهتم به و يرعاه و إلا ما معنى الوطن و الوطنية و الانتماء و الجنسية في بلد بات الشاب فيه غريبا يعيش البطالة و الفقر ناهيك عن غياب سياسة تعيد لهم الاعتبار و تنتشلهم من الحاجة و الحرمان و تخلف الخدمات الصحية و تأخرهم عن الزواج و عجزهم عن إعانة أسرهم و الانتهاء من أسطوانة المسؤولين التي لا تتقادم و التي تكرر في كل مناسبة أن جيل الشباب هو جيل العمل والإنتاج ، لأنه جيل القوة ، والطاقة ، والمهارة ، و الحيوية و النشاط.
لا نلوم شبابا لا يثق في خطاب الحكومة و رغبتها في إصلاع منظومة التشغيل و عزمها على حصر التوظيف باجتياز المباريات ، لأن سمعة المباريات في الحضيض و أسهم مصداقيتها في بورصة النزاهة و الكفاءة و الاستحقاق باتت بلا قيمة تذكر بعد سنوات من هيمنة سياسة " اللي عندوا جداتوا في المعروف " و سياسة " باك صاحبي" و فتح الأدراج و المحسوبية و الزبونية و كل كلمات قاموس الغدر و خيانة الأمانة .
التوظيف ليس هو الحل
يرتبط حل إشكالية التشغيل بتظافر مجموعة من الحلول المندمجة مرتبطة بالرفع من تنافسية الاقتصاد الوطني و دعم المقاولات و الحفاظ على التوازنات الماكروقتصادية و المضي قدوما في المشاريع الوطنية المهيكلة و تحسين مبادرات الدولة في دعم تأسيس المقاولات الشابة و تعديل مساطر الصفقات العمومية لتسمح بنسبة مخصصة للمقاولين الشباب المبتدئين و تعزيز البحت العلمي و الرفع من ميزانيته و تأهيل الجامعات و المعاهد.
لا تستطيع الدولة توظيف كل المعطلين في أسلاك الوظيفة العمومية و لم تستطع ذلك أي دولة فالبطالة موجودة في كل اقتصاديات أوروبا مع العلم انه لا قياس بوجود الفارق نظرا لكون تلك الدول توفر تعويض البطالة و لكن الشاهد عندنا هو انها لم تحل المشكل بالتوظيف المباشر الفوري. و لنفترض جدلا ان بلادنا عزمت على توظيف المعطلين بمن تبدأ بالدكاترة و هم بالمئات او بحاملي الماستر و هم بالألاف او المجازين وهم عشرات الالاف أو أصحاب دبلوم الدراسات الجامعية العامة و البكالوريا و التقنيين و خريجي المعاهد العليا للتكنولوجيا و معاهد الفلاحة و غيرها كثير.
في حديثنا عن التشغيل نذكر المتمدرسين و الجامعيين و ننسى الغالبية الصامتة و الشريحة العريضة من الذين لا يملكون شهادة و لم يستطيعوا إتمام الدراسة لظروفهم الاجتماعية و لهشاشة بنية الاستقبال و تخلي الدولة عن مسؤولياتها. من يتكلم عن هؤلاء فلهم كذلك حق على الدولة و ثروة البلاد ملك للجميع فلا يمكن ان تبدد الدولة كل مخصصات التشغيل على أصحاب الشواهد و تتركهم فالبعض منهم يتمنى شهادة يفتخر بها كذلك و بعضهم الأخر يتمنى لو انه يستطيع ان يخط بقلم أو يفك شفرة الحروف اللاتينية .
الخلاصة ان الموضوع معقد و أطرافه كثر و الطريق طويلة ، فمزيدا من مساندة التجربة الحكومية علها تنجح فيما فشلت فيه غيرها و تتوفق في صناعة الثروة و تأهيل مناخ التشغيل بالبلد و بحث سبل التخفيف من انعكاسات البطالة على وضعية الشباب.
الريع النضالي
عودة لحارقي الدمى و المجسمات و هم مجموعة من التنسيقيات بلوائح منتسبين مقفولة و محددة و تشترط في دوام الانخراط النضال في الساحة و المرابطة في الرباط و ميادين الاحتجاج و تطالب أساسا بالتوظيف المباشر و الفوري لمنتسبيها و تعطي نقاطا لكل مشاركة و يختلف سلم التنقيط حسب نوع الاحتجاج و حجم المخاطرة و يرتب أعضاء تلك المجموعات حسب التنقيط .
أصبح النضال و المطالبة بالحقوق المشروعة تجارة يقايض بها هؤلاء الحكومة بمنصب شغل فهل سمعتم عمن وظف مباشرة عاد لساحة البرلمان ليطالب بحق الشغل للجميع ، بل كل من " ضبر على راسو " ذهب لحال سبيله .
فماذا سيقول هؤلاء للفتاة التي لم تستطع الحضور للرباط لان أسرتها لا تتقبل سفر البنت لوحدها
و ماذا سيقولون للشباب الذي يعول أسرته و إن بالقدر اليسير و لم يستطع ترك عمله للالتحاق بساحات النضال
و ماذا عن المريض و العليل والمعاق و ذوي الاحتياجات الخاصة
و ماذا عن الذي لا يقتنع بالتوظيف المباشر و يؤمن بأن العدل يقتضي المباراة و يرى في قطع الطرقات و مناوشة الشرطة و جو المطاردات نوعا من المزايدات و يعتبر نفسه مواطنا يخشى على استقرار بلاده أنعاقبه " لانضباطه " و نتركه في بطالته .
الأولى بكل أصحاب الشواهد ان يتكتلوا في تنسيقيات جهوية و إقليمية لكشف كل تلاعب في نتائج المباريات و ملاحقة كل مرتش و المطالبة بتخليق سوق الشغل و تحسين ولوج الشباب للاستثمار و النضال من أجل حلول مستدامة يعم نتاجها على كل الشباب المعطل و ان يومنوا ان النضال "فرض كفاية " و ليس "فرض عين" و يرجعوا معنى النضال لحقيقته و يعيدوا له بريقه فالمناضل يناضل لمصلحة وطنه و غيره ثم بعد ذلك لنفسه .
رفقا بإخوانكم المعطلين في ربوع المغرب العميق و لا تحولوا النضال الى ريع.