|
|
|
|
|
أضيف في 21 مارس 2013 الساعة 11 : 12
بقلم : عبد اللطيف وهبي
في جل الأحيان أسائل نفسي لمن تكتب وأنت الصديق مدير نشر جريدة على الأقل أقرأها أي تأخذ من عمري كل صباح هنيهة من الزمن وإذا كنا في كثير من الأحيان أنا وأنت نختلف حول استقلالية الصحافة ومفهومها، معذرة استقلالية الصحفي وحدوده من خلال سؤال حول طبيعتها هل تكمن في مصدر الخبر أو في شكل صياغته أو حتى من طبيعة التعامل معه.
ربما يجمعنا الاختلاف حول مفهوم هذه الاستقلالية وكثيرًا ما شعرت وأنا المتطفل على الصحافة أنني أصدر أحكاما قاسية ليس في مواجهتك فقط ولكن في مواجهة الصحافة ككل رغم أنني وكما تعلم أتحرك خارج حلبتها ولا أخفيك سرا قناعتي بأن الصحفي لا يمكن أن يكون مستقلا ليبلغ في صفائه قطرات المطر لأنه فقط إنسان أي كائن مفكر تحكمه الأهواء وتحتويه قناعات دفينة تخفيها تارة وتشاكسه تارة أخرى وفي أحسن الأحوال يراوغها غير أنها كثيرا ما تهزمه خاصةً لحظة قيام الصحفي بصياغة خبر ما أو دبج تقرير ينال اهتماماً خاصًا فيخرج الخبر بقدسيته من قبعة الساحر (معذرة من قلم الصحفي) ليتحول إلى أرنب ذا موقف سياسي سواءً ضد أطراف الخبر أو من أجل التأثير على من يهمهم الخبر أو لنقُل لخلق موقف لذى من يقرأ الخبر علما أن قدسيته تلزم الصحفي الوقوف عند حدود أخلاقية لكونه ناقلا للخبر لا صانعاً له لكن الذات والذاكرة والشعور بالانتماء سرعان ما تلغي هذه الحدود وتبيد استقلالية روح الصحفي لتشعره أن إلغاء مواقفه وهو يكتب قد يحوله إلى آلة كاتبة غير مفكرة فينظر لذاته بطريقة قدحية ثم يجهده ذلك في مواجهة ذاته ومحيطه ونزوعاته ذلك لعمري مضني لدرجة العذاب وفي جل الاحيان يخلق لذا الصحفي تصور كاذب بجمود ذاته فينحو نحو الرغبة في إدماج الذات في صيغة الخبر وهو طريق سهل وإثبات لحضور الذاكرة وشعور أناني يحتضن نوعا من البوادر النرجسية الصحفية ليتحول معه صياغة الخبر إلى نوع من إثبات للذات يفبرك دعاية سياسية تلغي القدسية. كل هذا يعصر دماغي وأنا أقرأ الخبر الذي نشرتموه في عدد جريدتكم يوم الخميس 14 مارس 2013، والذي جاء فيه ("راميد" يمكن بنكيران من صرف 300 مليار للمرضى الفقراء) ولأنني لا أبرئ حدسكم النقضي الحصفي مدرك أن هذه الإشارة هي نكاية على أشياء أخرى مزعومة أثبتت المعطيات أنها غير صحيحة.
إن هذا العنوان الصغير عفوًا الخبر الصغير يعبر في الحقيقة عن تضخم للذات المنتمية وحتى لا أكون قاسيا فالخبر تمت صياغته من موقع تعاطفي حتى لا أتهمك بالانتماء وأكون مخبرًا أو من زوار فجر كلماتك لكون راميد (نظام المساعدات الطبية) اشتغل فيه وعليه من أعضاء حكومات سابقة وهناك من شدد على خروجه إلى حيز الوجود عندما ترددت حكومتنا الملتحية فكان من الأخلاق الصحفية أن ننسب الفضل إلى ذويه وقد يكون بنكيران منصفا مع نفسه حتى لا يبدو للعموم مبتذلا فيتمنى منك أن تقرن اسمه بصفته كرئيس الحكومة لأن الإشارة إليه والإيحاء له بعنوان مقالتك جعلت منه بنكيران رئيس حزب وليس بنكيران رئيس الحكومة لكن ذعني أبوح لك بسر أرجو أن تحتفظ به ليجمعنا فقط نحن الاثنين وهو أن بنكيران لم يصرف فلسا واحدا على الأقل بصفته تلك أي كرئيس حزب فما بالك بالملايير منها لأن بنكيران لا يملك السلطة المالية ولا الإدارية لصرف هذه المبالغ لا للمرضى ولا للفقراء فهي لم تخرج من حسابه الخاص ولم تنتج عن قرار مزاجي نابع من عاطفة ولا من إرادة منفردة لكون هذه الأموال لم يصنعها بنكيران أو غيره على الأقل بنكيران الشخص الذي حاولتم ان توحى لنا به بل هي أموال جنتها الضرائب وهي كما تعلم يا صديقي هي نتاج وأرباح تأتي من الإنتاج الوطني العام الذي يصنعه العمل والذي يقوم به أبناء الشعب بعرقهم وكدهم لتصرف لهم في خدمات ملزمة بها الحكومة لكونها تمت لوفق قانون صادر عن البرلمان هل كان من الإنصاف أن ننسب كل شيء إلى شخص وحيد بإسمه العائلي وبدون صفته كأنه خبر لا مبتدأ له إن لقاء الصخيرات في آخر المطاف لم يكن حاضرا فيه بنكيران عنوان خبرك ولكن بنكيران رئيس حكومة وممثل دولة بكل مكوناتها اغلبية ومعارضة نظام وحكومة وبرلمان مع اعتراف أخلاقي لكل من سبقنا للفضل لتجد الحكومة الحالية كل شيء مهييء لا يحتاج إلا إلى صفارة الانطلاق كنا جميعا مدعوون إلى عرس اجتماعي رغم أني لم أحضره لقناعتي أنهم سبقوك إلى نفس هدف عنوان خبرك لكن هي فقط السياسة التي تعطي الحق لبنكيران رئيس الحكومة في أن يزغرد في حفل زواج بين منتوج عمال وشعب وقرار حكومة وأخرى سابقة لصرف جزء منها لهم.
هل يا ترى يا صديقي بنكيران باسمه الشخصي كما جاء في عنوانك هو الذي صرف الملايير أم هي الدولة أم لنقل من موقع الموضوعية هي الحكومة بوزير صحتها ووزير ماليتها ووزير داخليتها كل يتحرك وفق معايير دستورية وضعت مسبقا وقد تكون ضبطت لاحقا لتصنع عنوانك الذي يلغي الماضي ويلغي الدستور ويلغي المؤسسات ويلغي حتى الصفة ليبقى بنكيران بتجلياته الإيديولوجية والسياسية وتختفي رئاسته للحكومة بمكوناتها والدولة بتعدديتها ويظهر شخص عنوان خبرك كالمنقض من الضلال. وأنت الصديق أبحث عنك بين تلابيب السياسة والخبر والانتماء فأفقد فيك الصحفي ذو الخبر المقدس وأجد فيك السياسي الذي يخفي لحيته بل يخفي حتى قبلَتهُ فأفقدتم الخبر قدسيته وحولتم كل شيء إلى نوع من الدعاية السياسية لشخص يمثل أحد أطراف الخبر لخدمة جهة دون أخرى تجعل جريدتكم في خدمة الموقف السياسي الذي يكفر الاستقلالية الصحفي. اسمحوا لي فربما تجاوزت قدري وأمسيت عنيفا معك ولكنني لا أستهدف سوى تنبيهك لا رغبة في نصحك لأنك الصحفي في حرمك وأنا الصديق في ذاكرتك.
إن الثقة في الذات هي أكبر خطر يهدد الصحفي لكون الذات بكل دلالاتها الفكرية والنفسية وبنزوعاتها السياسية غالبا ما تتحايل لتوحي للعقل أنها تعاني الهزيمة وتعاني التقزيم ولكن سرعان ما تهيمن بشكل وهمي وخفي من خلال إيحائها للصحفي بأنه موضوعي وأن ما يصدر عنه إبداع ممزوج بالموضوعية غير أنه سرعان ما يصطدم بالقارئ فيكتشف أنه كل شيء إلا أن يكون موضوعيا هذا إذا برأتك يا صديقي وفاءً لصداقتنا أما إذا أصدرت حكم فيك وأعود بالله ان أكون قاضيا ظالما لك فقد أدينك بالانتماء إلى معبد ذات بنكيران تنازعه لتستغفر ذنوب نحرك للاستقلالية وتخاصمه تارةً لتوحي لنفسك بالموضوعية ثم تخدمه لتكون وفيا لذاتك الحقيقية وذاكرتك الثقافية فهنيئا لك على قدرتك في جمع هذه الأضداد ولله في خلقه شؤون.
|
|
2126 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|