“Immigration has stopped issuing for Moroccan ladies”.. كان هذا هو الجواب الذي توصلت به مواطنة مغربية، تشتغل في مؤسسة اقتصادية عالمية. هذه السيدة كانت تنوي السفر لأسباب مهنية إلى دبي. السيدة قدمت وثائقها المهنية، التي تثبت أنها تشغل منصبا إداريا مهما، كما قدمت دعوة فرع المؤسسة في دبي ومختلف الوثائق التي تثبت الأسباب المهنية للزيارة وتَكَفّلَ المؤسسة بمصاريف الرحلة. هذا لم يمنعها من التوصل بهذا الرد الذي يُقصيها من حقها في الحصول على التأشيرة، فقط لأنها "امرأة مغربية". رد أقل ما يمكن القول بشأنه أنه مهين وحاطّ بالكرامة.
منذ بضعة أسابيع أيضا، تعرضت بعض المشاركات في لقاء جمعوي في عمان لمضايقات كثيرة قبل الحصول على تأشيرة السفر إلى الأردن، رغم أنهن جميعا قدمن وثائقهن المهنية أو الجامعية، إضافة إلى دعوة المؤسسة المستضيفة في الأردن. أحد المسؤولين في سفارة الأردن بالرباط برر الأمر بكونهن يبلغن من العمر أقل من 35 سنة (كذا).
هل يعني هذا أن بعض الدول تعتبر أن المرأة البالغة من العمر 35 سنة أصبحت امرأة "غير صالحة للاستعمال"؟ ثم، وهذا هو الأخطر، كيف يُعقل أن نعتبر بأن كل امرأة مغربية تسافر إلى بلدان الخليج أو الشام، هي مهنية جنس (أرفض استعمال كلمة عاهرة لأنها تحمل معنى قدحيا)؟ كل هذه الضجة الإعلامية في المغرب وفي دول عربية أخرى حول "صورة المغربيات" أصبحت مستفزة ومزعجة… لأنها مبالغ فيها بشكل مَرَضي.
أولا، امتهان الجنس هي حرفة قديمة وُجِدت عبر التاريخ وهي ليست خصوصية مغربية. في كل بلدان العالم، تُمارَس هذه المهنة. هناك دول بلغت مستوى من النضج يجعلها تعترف بها، وأخرى تدافع عن نقاء مزيف، وتتخفى خلف أطنان من خطابات الفضيلة. ثانيا، أليست هناك مهنيات جنس من أصول مغربية في بلجيكا وفي فرنسا وفي الولايات المتحدة الأمريكية وفي غيرها من الدول الغربية؟ منطقيا وعدديا، فكل الدول تستقبل مهنيات جنس من مختلف الجنسيات، بما فيها المغرب. لم أسمع يوما حكاية "دعارة المغربيات" في دولة غربية. لم أسمع يوما أن سفارة بلد أوروبي أو أمريكي رفضت التأشيرة لمواطنة مغربية على أساس أن "سياستها الخارجية في الهجرة" أصبحت ترفض رسميا منح التأشيرات للمغربيات. إنه تعميم وإهانة خطيرين، أصبحنا نقبلهما من دول الخليج وكأنهما تحصيل حاصل؛ بل ببعض الخجل وكأن تلك الدول محقة في تعسفها اللا مشروع.
لنتخيل أن فرنسا أو اسبانيا أو بلجيكا أو هولندا أو أي بلد أوروبي آخر قرر أن لا يمنح التأشيرات للشباب المغربي، لأنه "تبث من تجاربهم أن الشبان الذكور يشكلون خطرا أكبر للحْريك". لنتخيل نفس المثال السالف الذكر: أن تقرر سفارة أحد البلدان الأوروبية الرفض المطلق والتعميمي لمنح التأشيرة للنساء المغربيات، كل النساء المغربيات؟
في نفس الوقت، فمهنيات الجنس في دول الخليج لسن حصريا مغربيات. جنسيات أخرى كثيرة تمارس الجنس بمقابل مادي في تلك المنطقة من العالم. المشكل في الحقيقة هو مشكل اجتماعي في مجموعة من دول الخليج. هو أولا مشكل لدى الرجل الخليجي، زبون مهنية الجنس المغربية والمصرية والروسية والأوكرانية وغيرها من الجنسيات (لأن الدول المستضيفة لا تمنح الاحتكار للمغربيات)، والذي لا يلومه أحد، في حين أن العملية التجارية يشترك فيها الاثنان ويتحمل مسؤوليتها الاثنان. المشكل موجود ثانيا لدى المرأة الخليجية، التي تعتبر أن "المغربية خطافة رجال"، وكأن زوجها المسكين مفعول به، لا حول له ولا قوة، اختطفته امرأة مغربية لتصير زوجته الثانية أو لتمارس معه الجنس بمقابل، وهو أبدا ليس مسؤولا عن ذلك. بدل أن يعترف مجتمع بأسره أن لديه مشاكل اجتماعية من قبيل الخيانة الزوجية والهوس بالجنس أحيانا وتعدد الزوجات وغيرها من المعضلات التي تحتاج للفهم والعلاج (كما تفعل مجتمعات أخرى)، نوجه اللوم كله لفئة ليست بريئة من المسؤولية، لكنها لا تشكل إلا جزءا من المشكل، وليس المشكل كله.
تلزمنا الكثير من الدراسات الاجتماعية لنفهم هذا الخلط الكبير في المفاهيم، والذي تساهم فيه وسائل الإعلام المغربية بشكل كبير. الهجرة إلى الخليج هو موضوع يستحق أكثر من زاوية للطرح (نظام الكفيل، العلاقات بين المشغلين والمؤسسات المكلفة بالهجرة…)، لكننا عادة ما نفضل تقديم نفس الطروحات السائدة والحديث ألف مرة عن "دعارة المغربيات في الخليج". علينا فعلا أن نضع حدا لهذا التجريح المريض والمَرضي…