يمكن وصف قرار منع المغرب أربعة نواب أوروبيين كانوا يريدون زيارة الصحراء الغربية من دخول أراضيه، بأنه كان قرارا سياديا بامتياز حيث انبنى على معطيات موضوعية تتمثل في اعتبار البرلمانيين منحازين إلى فكر انفصالي ومناهض لسيادة دولة معترف بها ولها علاقات داخل المنتظم الدولي. في ظل الصراعات التي تفاقمت في المنطقة، ومن ضمنها مسألة مالي، وما يمكن أن تنشره من عدوى اللاستقرار والفوضى والجريمة لا يمكن أن يتغاضى المغرب عن مسألة سيادة أراضيه وقراره السياسي رغم تشابك وتعقيد العوامل المؤثرة والنتائج المتوقعة.
فبين مصالح الدول أو المجموعات المحركة لقرار البرلمانيين بزيارة دعم و تقوية الطرف الانفصالي، الذي ثبت انخراطه الواضح في منظومة التطرف بانتماء عناصره للقاعدة في المغرب الإسلامي، وبين مصالح الدولة المغربية التي تدافع عن حقوقها لابد من الاستعانة بمبررات ودوافع حماية حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي والوطني وأساسيات التمدن والتحضر. وتغاضي دولة المغرب على ما يجري داخل حدودها وما يمكن أن يطالها من اعتداء، واقعي أو افتراضي، يمكن اعتباره تصرفا غير مسؤول من الدولة وإخلالا بالواجب الذي اضطلعت به تجاه مواطنيها والمجتمع الدولي. ولا يمكن، على هذا الأساس، أن تنخرط الدولة المغربية في لعبة المحاباة أو الخوف من مواقف دولية عندما تحاول بناء قراراتها على مبدأ السيادة.
مُسَاءَلَةُ الدولة المغربية يجب أن تكون متماشية مع مبادئ القانون الدولي ومدى احترامه لالتزاماته، فالمغرب تتحقق فيه سيادة القانون وفق ما جاء في دستوره، بوصفه القانون الأسمى في البلد. وانخرطت الدولة المغربية، بعد ما سمي بسنوات الرصاص في مسلسل إرساء عمليات العدالة الانتقالية وآلياتها وجبر الضرر للمواطنين بتأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة في 7-1- 2004. والدولة المغربية كانت سباقة في المنطقة إلى اعتبار المجتمع المدني ضرورة ملحة يساهم ويناضل عبر إمكاناته في تعزيز سيادة القانون وإخضاع الموظفين الحكوميين والمؤسسات العامة للمساءلة. هذه المعايير والسياسات والمؤسسات والعمليات، هل يمكن أن نجدها عند من ساهم في خلق فيروس “البوليساريو”، ذلك الكيان الوهمي الذي زُرِعَ في خاصرة المغرب لإعاقته اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا ليعيقه عن المضي قدما في طريق اختاره لينعم في ظله المغاربة بالسلام والأمان؟ سؤال نطرحه لمبادلة الفكرة حول التماهي مع من يقارعون المغرب حول مفهوم حقوق الإنسان وممارسته على الأرض. أليس هذا حقا أريد به باطلا أو أريد به تدخلا أو أريد به تعطيل مسيرة؟ فالديمقراطية وحقوق الإنسان هي بالدرجة الأولى تراكمات ونضالات مستمرة لم يتوان المغاربة كلهم في تقويم اعوجاجها وتثمين المبادرات في تثبيتها.
الابتزاز السياسي
لا يعترف تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي بالحدود الجغرافية أو السياسية أو الاقتصادية للمنطقة، والبوليساريو ومن يدافعون عن أطروحته كذلك لا يعترفون بحدود سيادة الدولة المغربية ويمكن تصنيف تصريحاتهم ومواقفهم في إطار الابتزاز السياسي تمهيدا لانطلاق مجلس الأمن الدولي في مناقشاته السنوية الدورية حول تطورات نزاع الصحراء الغربية التي تعقد في أبريل من كل عام، هذا الابتزاز المكشوف بتطويع شرعنة حقوق الإنسان يصب في مصلحة تحقيق بعض الأهداف ضيقة الأفق التي لا تسعى إلا للتشويش على مسار الدولة المغربية.
صلاحيات الدولة المغربية عامة ومطلقة تتجاوز أي تفسير محاب أو استلطاف مجاني ثبت في الماضي عدم جدواه الدبلوماسي في خدمة الأهداف الاستراتيجية الكبرى للمغرب. وعطفا عليه يؤكد بيتر فام، مدير مركز ميكاييل أنصاري التابع لمجموعة التفكير الأميركية أطلانتيك كاونسيل أن البوليساريو والقاعدة ببلاد المغرب الإسلامي يعتبران متحدين في إشاعة عدم الاستقرار بمنطقة المغرب العربي والساحل.
عندما يصرح البرلماني كون بانديت أن “مسألة الصحراء الغربية لا يمكن حلها دون نقاش مفتوح ودون الاطلاع على الوضع في الميدان”. فهذا توجه مجانب للصواب فملف الصحراء المغربية مطروح للنقاش أمام المنتظم الدولي على أعلى المستويات في الأمم المتحدة منذ عقود وتداولت عليه أبرز العقول الدبلوماسية، بالتالي لا يمكن أن يزايد علينا قانونيا منذ وضع ملف الصحراء بين يدي قضاة محكمة لاهاي وإعطائها الرأي الاستشاري الذي جاء متطابقا مع وجهة نظر المغرب التاريخي والقانوني والسياسي وصولا إلى وساطة كريستوفر روس، فالوضع على الميدان داخل المخيمات معروف وتحدثت عنه مجموعة من المتابعين المحايدين بأنه وضع كارثي إنسانيا وحقوقيا. وأكد الخبير الأوروبي والأستاذ في جامعتي نوشاتل السويسرية والسوربون الفرنسية “آيميريك شوبراد” أمام ممثلي الدول الأعضاء بالأمم المتحدة المجتمعين في إطار المناقشة العامة للجنة الرابعة للجمعية العامة أن “إيديولوجية البوليساريو لا تقوم على أي أساس تاريخي وجيو- سياسي يعطي مشروعية لها.
والأدهى من ذلك أن هذه الإيديولوجية المصطنعة التي نشأت في ظروف الحرب الباردة فارغة جدا لدرجة أنه بالإمكان إزاحتها في فترة وجيزة من قبل التطرف إذا ارتكب المجتمع الدولي خطأ ترك الوضع يتعقد أكثر أو ساند طرح البوليساريو”، هذا الوضع الميداني داخل المخيمات هو الأحق بالمتابعة حقوقيا وإنسانيا.
في نفس الإطار ومن جهتها صرحت النائبة إيزابيلا لوفين أن المغرب “يريد إخفاء أمر ما ولهذا منعنا من الاتصال بالصحراويين”. هذا التصريح من جانبها منافي للحقائق على الأرض فقد سبقتها “كيري كندي” رئيسة مركز روبرت كينيدي المهتم بحقوق الإنسان بالزيارة التي قامت بها في العام 2012 للمغرب وصرحت لوكالة فرانس برس بقولها “نريد أن نشكر الجميع على تعاونه مع الوفد وكذلك المسؤولين المغاربة” واجتمعت مع كل الأطراف المعنية بقضية الصحراء المغربية في المنطقة وقدمت تقريرها الذي ثبت مؤخرا تحيزه السافر وتعرض صاحبته للاختراق من طرف أجهزة مخابراتية معروفة لدول لها المصلحة في ضرب مصداقية المغرب ومحاصرته بالملف الحقوقي، ذلك الاختراق الذي تسبب في بروز معايير انتقائية وتسييس موضوع الزيارة بشكل واضح في التعاطي مع ملف شديد الحساسية -الصحراء المغربية- وزرع الألغام في طريق الحل الذي قدمه المغرب كمبادرة اعترف بمصداقيته القاصي والداني ومن جميع المستويات الأكاديمية والدبلوماسية والحقوقية.
ضرب مصداقية المغرب
من جهة مقابلة أثارت منظمة «تيتش ذو تشيلدرن أنترناشيونال» الأميركية غير الحكومية، انتباه اللجنة الرابعة للأمم المتحدة إلى الوضعية الأمنية المأساوية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة بمخيمات البوليساريو، مبرزة “نانسي هوف” رئيسة المنظمة أن المسألة الأمنية في المنطقة، وبخاصة داخل محيط مخيمات البوليساريو تشكل أكبر تهديد لابد من مقاربته بمنطق شمولي، خصوصا وأن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها البوليساريو في حق من يريد العودة إلى المغرب تشكل عائقا كبيرا في مجال حقوق الإنسان وأكدت أن هؤلاء الأشخاص “يسجنون ويتعرضون للتعذيب والانتهاك والحجز، رغما عن إرادتهم” وهؤلاء الناس يجب منحهم حق الاختيار في الالتحاق ببلدهم. هناك من يجادل بأن الوفد ومناصريه تفاجؤوا بالقرار المغربي بالمنع من التوجه إلى العيون جنوب المغرب، لكن الواقع هو أن الوفد البرلماني المساند لجبهة البوليساريو كان يعرف مسبقا أنه غير مرحب به والمغرب لن يسمح له بالدخول إلى الأراضي الصحراوية.
القرار السيادي المغربي يقال إنه أحرج بعض الدول التي تسانده في توجهاته وهذه مسألة تتقاطع فيها التصريحات للاستهلاك الإعلامي لا أقل ولا أكثر ولا يمكن أن تتجاوز هذا المربع، وتاريخ هذه الدول الكبرى مع الدولة المغربية في مختلف المراحل التي عرفتها العلاقات معها يؤكد أن كواليس القرارات عندها تتصرف وتتحرك وفق منطق ودوافع المصلحة والنزوع نحو التفرد والسيطرة وأحيانا الطمع في الثروات، بالتالي لا داعي للاستعجال في بناء قرارات للدولة المغربية تهم مستقبل أجيال من المغاربة، وإنما تفعيل خطط بديلة ودبلوماسيات مبتكرة وإعطاء الفرصة لوجوه وعقول نيرة للدفاع عن المكتسبات وتدعيم الديمقراطية والعدالة والاهتمام بالمواطن كبدائل مهمة وأساسية لمقاومة أي نوع من التدخلات والضغوطات.