لا يخفى على أغلب المغاربة المولعين بالزي التقليدي قيمة الجلباب البزيوي، والذي يعتبر من الأزياء التقليدية الثمينة في المغرب، فهو من يميز تاريخها العريق.
لقد كان السلطان مولاي الحسن معجبا بهذا الصنف من الجلابيب مما دفعه إلى إلحاق عدد من النساج إلى قصره، ولكن القليلين منهم بالكاد يعرف بلدة ابزو مصدر هذا الجلباب النفيس، ولا موقعها الجغرافي بالتحديد.
تقع مدينة ابزو في أقصى الجنوب الغربي لأطلس مدينة بني ملال، يحدها من الشمال مشرع الحمري، ومن الشمال الشرقي دار أولاد زيدوح، ومن الشرق أولاد عياد، أما من الغرب فتحدها مدينة قلعة السراغنة، ومن الجنوب الصهريج، ومن الجنوب الشرقي منطقة تنانت وأزيلال، وشلالات أوزود الرائعة.
ذكر اسم ابزو لأول مرة مرفوقا ببعض التفاصيل في كتاب: وصف إفريقيا لمحمد بن الحسن الوزان، المعروف ب: ليون الأفريقي، الذي زار المدينة حوالي سنة 1521م . وكانت المدينة تقع قديما في موقع جغرافي واسع أطلق عليه قديما بلاد هسكورة، أو أسكورة، أو أسكورن، فقال: ابزو مدينة قديمة على جبل عال، يجري من تحت أقدامها وادي العبيد، على بعد ثلاثة أميال، وسكان ابزو كلهم تجار، أمناء حسنوا الهندام، يصدرون الجلود والزيت ومختلف الفواكه الطيبة، ومن عاداتهم تجفيف عنب ذي لون ومذاق عجيبين وعددا هائلا من أشجار التين، وهي أشجار عظيمة ضخمة، وتبلغ أشجار الجوز حدا متناهيا من الإرتفاع. ومنحدر الجبل المؤدي إلى الوادي محروث تماما، بينما تمتد الحدائق الغناء على ضفة النهر. ذهبت إلى ابزو في نهاية شهر مايو ـ أيار، حيث فاكهة المشمش والتين ناضجة، وأقمت عند إمام المدينة، بجوار مسجد في غاية من الجمال، تمر بالقرب منه ساقية تخترق سوق المدينة. كما وصفها أحد المؤرخين البرتغال الذي كان أسيرا في بلاط السعديين بمراكش، وكان معاصرا لمحمد بن الحسن الوزان،قائلا: ابزو مدينة قديمة، تضم أزيد من ألف وخمسماءة ساكن، في موقع لائق ملائم على جبل شاهق من جبال الأطلس، تحيط بها أسوار وبروج مشيدة بالحجر الموثق بالجير…السكان بربر من قبيلة مصمودة، نساؤهم بيض، جميلات، أنيقات.
وقبل هؤلاء تحدث عنها ابن خلدون تحت اسم أنتيفت، قائلا: وأما أنتيفت فكانت رياستهم في أولاد هنو، وكان يوسف بن كانون منهم، اتخذ لنفسه حصن تاقيوت وامتنع به، ولم يزل ولده علي ومخلوف يشيدانه من بعده، وهلك يوسف، وأقام بأمره من بعده ابنه مخلوف وجاهر بالنفاق سنة اثنثين وسبعمائة،ثم راجع الطاعة، وهو الذي تقبض على يوسف بن أبي عياد المتعدي على مراكش أيام أبي ثابت سنة سبع وسبعمائة كما نذكر في أخباره لما أحيط به فقبض عليه مخلوف وأمكن منه، وكانت وسيلته من الطاعة، وكان من بعده ابنه هلال ابن مخلوف، والرياسة فيهم متصلة لهذا العهد، وأما بنو نوفل، فكانت رياسته لأولاد تروميت،وكان منهم لعهد السلطان أبي سعيد وابنه أبي الحسن كبيرهم علي بن محمد وكان له في الخلاف والامتناع ذكر، واستنزل له السلطان أبو الحسن من محله لأول ولايته بعد حصار بمكانه وأصاره في جماته تحت عنايته وإمرته إلى أن هلك بتونس بعد واقعة القيروان، في الطاعون الجارف وولى بنوه من بعده أمر قومهم إلى أن انقرضوا والرياسة لهذا العهد في أهل بيتهم ولأهل عمومتهم.
لعبت ابزو دورا مهما في القرون الوسطى باعتبارها أقرب مدينة تطل على مشرع الصفا، أو مشرع أبي عقبة، الواقع على وادي العبيد، ونلمس أهمية هذا الموقع في قول المؤرخ مولاي هشام العلوي في كتابه التقاط الدرر: كان مسرحا حاسما في تاريخ المغرب بين المتنافسين على السلطة في مراكش وفاس، ذالك أن الإنتصار أو الإنهزام يقرر مصير المدينتين.
وقد أثارت مدينة ابزو قريحة الشعراء، فنظموا قصائد قيمة يتغنون بجمال طبيعتها، نذكر منهم المختار السوسي يقول: أهذى جنان الخلد أم هذى بزو منى كل نفس لو يدوم لها الفوز ظلال ظليلات وماء وخضرة فله ما أحرزته ساكنى بزو تخالفت الألوان فيها كأنها تفتح للعقبان والفضة الكنز
وقالت الشاعرة الصحراوية خديجة أبي بكر ماء العينين:
ابزو الجمال بأرضها الفتانة لا غرو إن غنى الهوى ألحانه
مازارها العشاق إلا أبدعـوا فالشعر أرخى للمعشوق عنانه
ويقول الشاعر المصطفى فرحات في مقاطع من قصيدة حكاية خرافة /يا أهل ابزو والتي يقارن فيها المدينة بين اليوم والأمس والمستقبل:
الأمس:
قالوا عنها: أهذي جنان الخلد أم هذي بزو
منى كل نفس لو يدوم لها الفوز.
وأقول:
بزو وجنتا طََفلة تزهر في قامتها
ألوان العطور
وعلى حافتي مقلتيها
خضرة من رموش
ومن طلعتها
ضفائر من زيتون
تعانق نطفا جارية
تلقح أرحام البساتسين
وتسكت عطش المساكين
ويقول في مقطع آخر بعنوان اليوم يقول:
اليــوم
هي ابزو حسناء رسمت محياها الدهور
وسفينة ملقاة بمرفإ مهجور
رحل عنها الماء
وهجرها الربان
وغاصت في عباب الرمال
شاحبة بزو كشيخ يكح السعال
وكشبح يطلع من آخر الليل
تشقق جلده من وهج الترحال
يجر خلفه ساقا
تاهت فيها خطاه
وفي مقطع نقتطفه من الجزء الأخير يقول:
الغـــذ
وأرى بزو كومة رماد
يدريها الرياح بعيدا
والوقت هجير
وتصعد في النشيج
وأدرف دمعي في القصيد
عله يتبخر يوما
ونسمع للماء ترانيم وأناشيد
ويخضر العشب من جديد
وتتوفر خزانة ابزو على مخطوطات ناذرة منها
رسائل سعدية نشرها عبد الله كنون سنة 1954م بتطوان تحت عنوان: مجموعة الرسائل السعدية، لمؤلف مجهول، اعتمادا على مخطوطة ابزو الوحيدة.
وكتاب العميان والبرصان وهو مؤلف الجاحظ الناذر، ورسالة قانون التأويل ينسب للقاضي أبي بكر المعافري.
المصادر الموثقة لهذا الموضوع:
المعرفة والسلطة: صور من حياة مثقف البادية في القرن العشرين. إف إيكلمان ترجمة محمد أعفيف، نشر بتعاون مع مركز طارق ابن زياد للدراسات والأبحاث.
ـ وصف إفريقيا، محمد بن الحسن الوزان، الجزء الأول، ترجمه محمد حجي ومحمد الأخضر، منشورات الجمعية المغرلبة للتأليف والترجمة والنسر، الرباط 1980