أضيف في 13 مارس 2013 الساعة 34 : 10
في مصر اليوم ريح جنون فعلية لا تفسير لها اللهم رغبة أبناء هذا البلد في دك كل شيء والبدء من الصفر. رأينا الأسبوع الحالي أهالينا في بر المحروسة يحرقون مقر الجامعة الكروية أو ما يعرف عندهم باتحاد الكرة. رأينا أرشيف أعرق اتحاد كروي إفريقي يداس أرضا، وتأملنا أماكن الكؤوس التي سبق للمصريين أن رفعوها وهي تختطف وتنقل إلى مكان مجهول. الأصابع وجهت إلى ألتراس الأهلي، لكن الأمر يبدو أكبر من شباب المشجعين، ويبدو فعلا مقصودا من أجل الانتهاء من تاريخ وبداية كتابة آخر ينطلق من فجر هاته الصحوة العجيبة التي أنجبت البنا والأتباع ولا يتوقف إلا عند تطورات الفعل السياسي لديهم مع عدم التأكد من نهاية هاته التطورات على خير في يوم من الأيام. في مصر اليوم رئيس إخواني يبدو عاجزا عن تبين مشهده بين الجموع. مصر البلد أكبر من مصر الجماعة، وحقيقة يشق على النفس وقد تعلمت الأشياء الكثيرة من هذا البلد العظيم الولاد، أن تقتنع بشكل نهائي أن هذا هو المسار الأخير، وأن هذا هو المصير المحتوم. ويزداد الأمر خطورة إذ نعلم أن العالم العربي يقلد مصر في كل خطواتها عشرات السنين بعد أن تنتهي منها المحروسة، ما يعني أننا بشكل أو بآخر ننتظر خلاص إخوتنا هناك من تحطيم بلادهم لكي نقر نحن الآخرون إن كنا سنسير على الهدي ذاته أم أننا سنختار السلامة والهروب بالجلود في اتجاه آخر غير اتجاه التدمير الذاتي المرعب هذا. ومع كل المصائب التي نزلت ترف على رأس المحروسة منذ أن اكتشفت في الإخوان المسلمين بديلا لها من كل الخيارات الأخرى، بدت لي مصيبة الانهزام كرويا لمنتخب الفراعنة أمام نظيره القطري بثلاثة أهداف لواحد أصعب من التحمل وأكبر من كل الكوارث، حتى تلك التي سقطت فيها أرواح بشرية -مع التنسيب الضاحك لأننا نتندر فقط هنا- فالمنتخب الذي هز عرش إفريقيا ثلاث مرات متتالية، وهزم كبار القارة الذين يلعبون في أرقى وأكبر البطولات الأوربية والعالمية انهزم بالثلاثية أمام منتخب بلد يضم فرقا تسمى “لخويا والغرافة وأم صلال والريان والسد” وما إلى ذلك. هو ذا الهوان الحقيقي، وهي ذي قمة الأزمة إذ تصل بالبلد الكبير إلى الحد الذي لا حضيض بعده. وقديما عندما انتهت مصر من الفوز بكأس إفريقيا وذهبت إلى الخليج من أجل جولة تقاضى خلالها لاعبوها أموالا وهدايا قيمة قامت الدنيا ولم تقعد، ورفض المصريون صورة “الشحاتة” التي أراد النظام السابق إلصاقها ببلدهم، لكن اليوم ومصر تتقاضى مقابل سقوطها بمثل هاته النتيجة الخرافية أمام فريق لايمكن أن يهزمها كرويا بشكل عادي مهما كان ، يبدو النزول مدويا للغاية، ومعه لا حل لأهلنا هناك إلا السخرية والضحك والتندر. ولقد أبدعوا وبدعوا فعلا حين اعتبروا وصول “الإخوان للحكم “قضاء وقطر” ولجؤوا إلى ابتسامتهم الشعبية لكي تنفس عنهم أثر الغيظ الذي يحسونه هم الذين كانوا يعتقدون أن التاريخ كافي لكي تكون كبير القوم، قبل أن يفهموا أن الأمور دانت، وأن التغيير فيها يقضي اليوم بأن يتكلم صوت المال وأن تسكت بقية الأصوات خصوصا إذا كانت فقيرة تنتمي لمن عرفوا على الدوام _مثلنا ومثلهم_ بعرب الماء، وإن كنا نناقش هاته العروبة بأمازيغيتنا هنا، ويناقشونها هم هناك بفينيقيتهم التي يستلونها من كل المسام. مؤخرا التقينا بعض أبناء المحروسة في لقاء احتضنته عاصمة كاتالونيا برشلونة، وسمعنا منهم هم والتونسيين نفس الكلام عن الحراك وعن الثورات وعن التغيير وعن كل شيء. قالوا لنا بالصريح من العبارة، الواضح من الكلام: أنتم محظوظون أن لم تلجوا منطقة الدم هاته في تصفية الخلافات السياسية بينكم, وبقيتم حبيسي التدافع السلمي بين الناس من أجل الانتقال. أضافوا وهم يؤكدون المتابعة والمواكبة المستمرة لكل ما يقع في المغرب: “منحتكم الظروف إمكانية التوافق على تقرير مصيركم بيدكم, دون منح الأجانب فرصة التدخل بمالهم أو فكرهم أو رجالهم من أجل أن يقرروا لكم ما سيقع مستقبلا في البلد. لذلك نغبطكم فعلا, ولذلك نبكي اليوم على مآلنا ولا نعرف ما سيكون عليه الحال بالتحديد”. التقطنا الكلام حينها وقلنا لهم في دواخلنا إن مصر _وإن أصبحت في الزمن الأغبر دولة المرشد وبقية رعاع بول البعير_ إلا أنها تظل بالنسبة لنا نجيب محفوظ وأمل دنقل وصلاح جاهين وفرج فودة وأم كلثوم وعبد الوهاب وسيد درويش وسيد حجاب وأسامة أنور عكاشة وطه حسين والبقية الباقية من العظام. نعم، قد نقلب اليوم الشاشة تجاه الفضائيات فيها فنجد أمرا داميا لايسر حبيبا لهذا البلد، لكننا متأكدون أنها السحابة العابرة، وأن الغد سيظل لقدرة الولادة على الخلق والإنجاب إلى ما شاء الله. عمار يا مصر، رغم القضاء والـ”قطر”.
|