قد يكون من المستغرب والمدهش،حقا، أن يسمع المرء شعارا على شاكلة "نريد حقنا في البترول" تردده حناجر الآلاف من العاطلين في بلد بترولي.
يتعلق الأمر،فعلا، بما يزيد عن 3000عاطل بعاصمة البترول الجزائرية،ورغلة، خرجوا في مسيرة ضخمة للمطالبة بالحق في التوظيف بالحقول النفطية الغنية التي يذهب جزء كبير من مداخيلها ليس لجهود التنمية ،كما هو مفترض ومفروض،بل لجهود أخرى تتمثل في تمويل ودعم جماعة"البوليساريو" ضدا على بلد شقيق وجار هو المغرب، بهدف زعزعة استقراره وأمنه ووحدة ترابه طيلة 38سنة.
المسيرة المذكورة، التي كانت تنوي قطع مسافة 80كلم،انطلقت من المدينة نحو حاسي مسعود،وهي تردد عبارات التنديد بالظلم والتهميش وتطالب بمحاسبة المفسدين في ملف الشغل،وكذا محاربة الرشوة والمحسوبية داخل إمبراطورية "سوناتراك" النفطية.
حول هذا الموضوع بالذات ،كشف حزب"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"،وهو من أبرز أحزاب المعارضة في الجزائر،النقاب عن الفضيحة التي تنخر الشركة الوطنية النفطية"سوناتراك"،وربط بين ما سماه ب"الميوعة"التي تميز الوضع السياسي بالبلاد واستفحال الرشوة واستشراء الفساد، واتساع دائرة الاحتجاجات، وكلها أسباب تؤدي ،في نظر الحزب، إلى فقدان الثقة بين السلطة والمجتمع. ومعلوم أن هذه الفضيحة التي فجرت المسكوت عنه في الجزائر تتعلق بتورط المجموعة الإيطالية (إيني)في صفقة مشبوهة تتمثل في تقديم رشاوى بمئات الملايين من الدولارات لمسؤولين في"سوناتراك" من أجل تمرير صفقات نفطية، مما جعل الجمعية الجزائرية لمحاربة الرشوة تندد بالصمت المطبق للسلطات إزاء قضية بهذا الحجم.
في هذا الإطار يلتقي أيضا بيان حزب"جبهة القوى الاشتراكية" الذي ندد بدوره ب"القطيعة الدائمة"التي توجد بين البرلمان والمواطن ، برلمان يظل بعيدا عن الاستجابة لانتظارات المواطنين الجزائريين،خاصة أن هذا البرلمان تسيطر عليه أغلبية تتكون من محوري حزب السلطة :"جبهة التحرير الوطنية" التي تعيش على إيقاع مشاكل لا حد لها، وشقيقها من الرضاعة حزب" التجمع الوطني الديمقراطي".
هذه الهوة الموجودة بين مؤسسة تسمى"مجلس الشعب"، من المفترض أنها تمثل الشعب، ساعدت على فقدان الثقة بين السلطة والمجتمع، وحين تصل مسألة فقدان الثقة درجة أعلى في سلم الاهتزازات، فإن الأمر يدعو إلى القلق ويدفع المتضررين إلى البحث عن الوسيلة الملائمة للتعبير عن قلقهم. وهو بالضبط ما فعله أزيد من 900 عامل بقطاع الأشغال العمومية الذين هبوا في وقفة احتجاجية أمام وزارتهم، بالعاصمة الجزائر، للمطالبة بإعادة إدماج المفصولين، والتنديد بالفساد والقمع.. تدخلت قوات القمع بعنف لإسكاتهم.
المثير في الأمر أن مجلة ال"إيكونوميست" البريطانية أدلت بشهادتها حول الوضع بالجزائر،فلاحظت بأن البلد" يعاني من الحصار الذي يفرضه عليها الإرهابيون والحكومة على حد سواء"، وأن مصير من ينتقد الحكومة إما الاختفاء في غياهب السجون أو التعذيب.تحالف غريب حقا هذا الذي يجمع الإرهابيين بالحكومة الجزائرية.
من ناحية أخرى ، هناك علاقة غير سوية تجمع بين زعماء الجماعات الإسلامية والمخابرات الجزائرية،وتحديدا بين زعماء"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"و"الحركة من أجل التوحيد والجهاد" و"أنصار الدين" مع المخابرات الجزائرية.
وإذا كان من حسنات لعملية"سرفال" الفرنسية في مالي ،فإنها وجهت ضربة قوية لهذه العلاقات التي تقوم على اتفاقات سرية مكنت المخابرات الجزائرية من أن تتحكم في المجموعات التابعة ل"القاعدة" خارج الجزائر مع توظيف أنشطتها (المجموعات الإرهابية) بما يخدم أهداف جزائرية محضة. وكان من النتائج المباشرة للتدخل الفرنسي في مالي بقرار من الأمم المتحدة، الهجوم على المركب الغازي بعين أميناس الذي قاده صحراوي تعرفه المخابرات الجزائرية جيدا ،وكان ضمن جماعة "البوليساريو". وهذا فضح لادعاءات الجزائر بحيادها في قضية الصحراء المغربية ،حيث تبين من خلال كشف هوية هذا الصحراوي أن الحركة الانفصالية أصبحت قاعدة لتجنيد الإرهابيين ،ولن يتم هذا بدون علم ،إن لم نقل بدون تنسيق مسبق مع المخابرات الجزائرية التي تسعى لفرض أجندتها في منطقة شمال افريقيا والساحل. بل إن بعض المراقبين الأوربيين يذهبون إلى القول بضلوع الجزائر في أحداث مخيم أكديم إيزيك ،وباحتمال التحاق أعضاء الجماعات الإسلامية المسلحة الفارين من مالي بمخيمات تندوف بالجزائر.
حمادي التازي.