|
|
|
|
|
أضيف في 09 مارس 2013 الساعة 34 : 16
عادل جبران.
ترددت كثيرا في البحث عن الأسباب و الدواعي التي جعلت الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية يحاضر بالمغرب و بالضبط في الجامعة الدولية بالدار البيضاء المدينة، رمز الاقتصاد المغربي و القلب النابض للمملكة ،وبصفته خبير و سياسي محنك و مستشار فخري بالشبكة الدولية لخريجي الجامعات. لكن لأهمية التوقيت و الشخصية آثرت البحث في مضمون المحاضرة و ما تحمله من إشارات و معاني لابد من الوقوف عليها و تشريحها.في هذا المنعطف التاريخي الذي يعرف فيه العالم عدة تقلبات في ظل تغيرات سياسية عميقة شملت العالم العربي بالأخص ،و ما رافقها من تحولات مست بنية الأنظمة الاستبدادية بالمنطقة و ما تبعها من بروز قوى سياسية جديدة تحاول أن تفرض نفسها كبديل تستمد شرعيتها من قواعد شعبية و يمر عبر قنوات دينية و مذهبية. إن الرسائل القوية و المركزة التي يمكن قراءتها من خلال الورقة التي قدمها الرئيس الثاني و الأربعين للولايات المتحدة الأمريكية يمكن اعتبارها بحق خريطة طريق واضحة المعالم على الأقل في أفق العشرية القادمة،سيما و أنها صادرة عن رجل غير عادي تربطه علاقات صداقة بالعائلة الشريفة الحاكمة منذ الملك الراحل الحسن الثاني و تعززت بتولي الملك محمد السادس الملك،و كذا لبصمته في سياسة بلاده و العالم باعتباره حاكم أقوى دولة في العالم الحديث، الولايات الأمريكية المتحدة التي تربطها بالمملكة روابط تاريخية و دبلوماسية وطيدة انطلقت بمبادرة و جرأة السلطان محمد الرابع و اعترافه بالولايات المتحدة كدولة مستقلة ذات سيادة و ذات هوية خاصة بها و ترسخت على مر السنين بعلاقات صداقة متميزة مع اغلب الملوك المتعاقبين على حكم المملكة،و توجت في العقود الأخيرة بإصرار الرئيس كلينتون على حضور جنازة الراحل الحسن الثاني و افتخاره بالعمل مع خليفته الملك محمد السادس. المغرب حرق مسافات مهمة عبر تاريخه الطويل في التأسيس لسياسة الانفتاح على الآخر ،و هو اليوم مؤهل للعب ادوار طلائعية على المستوى الإقليمي و الدولي بفضل تراكمات في تجاربه التي يحفل بها سجله في مواقفه الدولية و في شتى الميادين. و لا أدل على ذلك في علاقاته الثنائية بالولايات المتحدة التي توجت بإطلاق الحوار الاستراتيجي الذي اعتبره الكثير من المراقبين و المهتمين بالشأن الدولي بأنه خطوة متقدمة و مهمة في علاقات أمريكا مع دولة افريقية و عربية و نموذج يحتذى به.فالحوار آلية من آليات التنسيق و التقارب التي تعتمد عليها السياسة الأمريكية مع الدول ذات الأهمية الخاصة و التي تسعى واشنطن إلى ربطها بمصالحها و إستراتيجيتها الاقتصادية و السياسية و الأمنية و العسكرية . بالرجوع إلى ورقة كلينتون نجده يركز على مسالة الهوية و قد سبقت المحاضرة زيارته لساحة جامع الفنا رمز التاريخ المغربي و هويته حيث قضى وقتا طويلا بسوق السمارين يوم السبت 23 فبراير 2013 ،و يمكن التركيز هنا على قضية الهوية المغربية و علاقتها بتنزيل مقتضيات دستور 2011 كأهم المرتكزات و الدعائم التي يتميز بها النظام المغربي عن باقي الأنظمة الأخرى، ذلك أن المكونات الأربعة للهوية المغربية المتمثلة في (العربية و الإسلام و الامازيغية و الحسانية )،بمجموع الروافد المكونة لها (الإفريقية الأندلسية العبريةالمتوسطية ).تعتبر روح المملكة المغربية و المستودع الحقيقي لنشر ثقافة الانفتاح و التسامح و الاعتدال و تكريس التفاهم بين الثقافات و الحضارات .و هو ما يحتم علينا اليوم أكثر من أي وقت مضى أن نطرح التساؤل عن مدى فعالية باقي الأطراف الأخرى المكونة للجسم المغربي و للهوية المغربية و نعني بذلك و بالأولوية مؤسسات الضبط الاجتماعي و الدور العميق و الأساسي الذي يمكن أن تلعبه من اجل الحفاظ على هذه التحفة المتميزة للمغرب هوية المملكة و شعبها على مر العصور. فإبلاء الأسرة الاهتمام اللازم و كذا التركيز على النهوض بالعملية التعليمية و تشجيع البحث العلمي و تكريس الثقافة التشاركية و الدفع بمؤسسات المجتمع المدني للنهوض بالأدوار الحقيقية المنوطة به و تكريس الحقوق المدنية و السياسية و الاجتماعية ،كلها أمور يجب الوقوف عندها بنوع من التفكير الجدي و الإرادة القوية من اجل المرور إلى غد أكثر عطاء و فاعلية.و هذه كلها مقترحات نابعة من صلب قناعات فكرية و ثقافية المتضمنة لقيم و مبادئ متعارف عليها عالميا.و بالرجوع إلى ورقة السيد كلينتون و التمعن فيها بكل مسؤولية و تجرد نتساءل هل هناك من احد في المغرب يشك في أهمية الهوية المغربية لضمان الاستقرار الروحي و الاجتماعي للمغرب؟و هل الهوية المغربية في خطر؟أم أن الهوية المغربية المغربية أصبحت متجاوزة و لابد من البحث عن آليات متطورة لتجديدها و الحفاظ عليها كموروث اجتماعي و ثقافي و حضاري و تاريخي للمملكة؟ هذا ما يحيلنا على نقطة أساسية و مرتبطة بالسابقة في نظرنا و هي دعوة كلينتون السياسيين المغاربة إلى التحلي بالجرأة في الاعتراف بالخطأ انه يعني تلك المبادرة الايجابية و الشجاعة و الحكيمة و الفعالة التي من خلالها يتدارك السياسي النواقص و تجنب تكرار الأخطاء القاتلة التي تكون لها انعكاسات وخيمة على سيرورة المجتمع و مؤسساته ،فالاعتراف بالإخفاقات السياسية في نظرنا هي بداية حقيقية للتصويب و التطوير و تدارك الأخطاء .فالسياسي الجريء هو الذي يركز جهوده في التفكير بصوت عال مع مجتمعه و التصرف بايجابية و مسؤولية اتجاه الأخطاء المرتكبة،فالجرأة في الاعتراف بالخطأ هو مبدأ أساسي في تعزيز الثقة بمؤسسات الدولة و تدعيم آلية المساءلة من اجل الرقي و التطور.و في هذا المقام وجب التنويه بجرأة الدولة المغربية و اعترافها بخروقات فيما اصطلح عليه بسنوات الرصاص التي عرفها المغرب في القرن الماضي ،و تشكيل هيئة لجبر الضرر على المستويين المادي و المعنوي. و نتساءل أليست الدولة المغربية الآن مطالبة بجرأة مماثلة في الاعتراف بأخطائها المرتبطة بحقوق الإنسان و الخروقات المصاحبة لكارثة العملية الإرهابية في 16 ماي 2003 بالدار البيضاء؟اليست المعالجة المتسرعة لمجموعة من الملفات الفساد ضد شخصيات عامة (ملف الودغيري – التجاري وفا بنك ) تطرح تفعيل مبدأ العدالة أولا و قبل أي شيء بعيدا عن حسابات سياسوية ؟؟ وجب علينا أيضا أن ننوه بجرأة الدولة المغربية بخصوص معالجة الملف الشائك لقضية الصحراء المغربية و إخراجه إلى العلن بإشراك مكونات المجتمع المغربي أحزاب و مجتمع مدني. لابد من التنويه بجرأة الملك محمد السادس بخصوص مقاربته الحكيمة في تعامله مع حركات الاحتجاج التي واكبت ما أطلق عليه اسم "الربيع العربي" ،و خطاب 9 مارس 2011 الذي كان قنطرة سميكة جنبت المغرب السقوط في شرك أخطاء غير محسوبة و هذه جرأة فعالة و مدروسة. في الختام دعونا نتحلى بشيء من الجرأة ليس في الاعتراف بأخطاء الآخرين و لكن بأخذ مكان السياسي المغربي و نتساءل و لو على مستوى التفكير .ماذا لو اعترف مجموعة من الأمناء العامين للأحزاب السياسية بان تأسيسهم لأحزابهم في ظروف معينة كان خطأ لا يجب تكراره،و أن تأسيس هذه الأحزاب بجراحة قيصرية لا جدوى منها و لا تخدم الديمقراطية الحقة؟ و نتساءل هل يمكن أن يعترف أمين عام لحزب ما بخطئه في شن حروب دانكيشوتية خاضها داخل حزبه خلفت العديد من الاعطاب و الاستقالات و الانقسامات ليجد نفسه على رأس حزب لم يعد له وجود على الساحة السياسية؟هل يمكن أن نسمع بمسؤول حزبي يعترف بعدم جدوى الخلط بين السياسة و الدين ،و بأنها أخطأ لا يجب الاستمرار فيها و تكرارها؟ كل هذا من أجل إخراج السياسي المغربي من تلك الصورة الكاريكاتورية التي أصبح يتقنها بدون وعي و الأسئلة في هذا الباب كثيرة و متنوعة كثرة الأخطاء و تنوعها و يبقى سؤال التحلي بالجرأة الكافية للاعتراف بالأخطاء مرتبطا أساسا بمفهوم الخوف الذي يسكن السياسي المغربي،و ليس كل السياسيين بالطبع،الخوف أولا و قبل أي شيء على امتيازاته و سمعته
|
|
2398 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|