بعض التسريبات أو «الفدلكات» الإخبارية تكاد تكون سموما سياسية في بنيان دستوري لا يزال في مرحلة الرضاعة. وهي تعطي الانطباع بأننا ما نزال نعيش مجاز الدستور وليس دستورا جديدا لفصل السلط واستقلالية القضاء. وإنه لمن المؤسف أن مبادرات ملكية إنسانية، يتم تقديمها في قوالب متضخمة تظهر الملك وكأنه مؤسسة خارج الدستور.
ما معنى تسريب أن الملك من «أمر» بتمتيع خالد عليوة برخصة استثنائية لمغادرة السجن وليس قاضي التحقيق ولا وزير العدل ومندوب السجون؟ وما معنى تحميل رسالة تعزية إنسانية في وفاة سيدة وطنية مناضلة وليس في مديح المدير السابق للقرض العقاري والسياحي كل ذلك الالتباس الذي جعل البعض يتحدث عن «جنازة القضاء»؟!
وما معنى أن يتم تقديم التقارير الموضوعاتية المرفوعة إلى الملك من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بمقتضى القانون الداخلي للمجلس، على أنها صفعة للحوار الوطني حول إصلاح العدالة وسطل ماء بارد على أجساد وزراء العدالة والتنمية ؟! وما معنى، كذلك، أن يشهر دفاع بنعلو المتابع في ملف المكتب الوطني للمطارات، في وجه القضاء، توشيحه بوسام ملكي، ليعتبره دليلا على نزاهته؟
معنى كل ذلك أن هناك من يعشق رياضة تغذية الإلتباسات، وافتعال تجاوزات وصراعات غير موجودة بين الحكومة ومؤسسة الملك الدستوري، وكم يبدو مثيرا هذا الإقبال المتزايد بنزعة مرضية أحيانا، وبكثير من الجهل أحيانا أخرى، على استهلاك مثل هذا المتن الإخباري المسيس من طرف أولئك الذين لايتمنون لبلدهم نجاح تجربة انتقال سياسي سلس في محيط إقليمي تندحر فيه أقطار شقيقة من «مجد الثورة إلى حضيض الجوع».
لنقلها بوضوح، تعزية الملك لخالد عليوة دين تجاه الحركة الوطنية وفعل إنساني لا يتضمن أي رسائل توجيهية إلى قضاء التحقيق في ملف القرض العقاري والسياحي. وتقارير المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى الملك تدخل في صميم اختصاصه الدستوري كضامن للعدالة واستقلال السلطة القضائية، وليس في مجال صلاحيات تنفيذية تتصل بوضع مشاريع القوانين. أما الأوسمة الملكية فهي تكريمات في لحظات رضى على الظاهر من الأفعال، وليست حصانة ضد المساءلة أو دليل إثبات براءة فيما خفي منها.
في نهاية المطاف، هذا كل ما في الأمر، بدون هرولة صحافية، ولا عدمية أو انتهازية سياسوية، ولا حتى إثارة من أجل بطولة بلامجد.