التهمة جاهزة، والمتهم هو "المخزن" أو "الدولة" أو "الحكومة" أو "الأحزاب " أو "الأمن"...
فحين نظمت الأحزاب والنقابات مئات المهرجانات الخطابية في سياق الحملة الانتخابية للدستور، قيل بأنها تسلمت القناطر المقنطرة من الأموال من أجل القيام بهذا "الدور" بالرغم من أن مهمتها هي تأطير المواطنين.
وعندما ظهرت في الشارع حركة مضادة لحركة 20 فبراير، قيل إن "المخزن" يقف وراءها، وأنه هو من جند كل هذه الأعداد من أجل تضييق على الشباب الذي يدعو إلى إسقاط الفساد...
وعندما خرج البوتشيشيون والشيخ الفيزازي للتظاهر في الشارع قيل نفس الكلام، لكن حين يتم إحراق مفوضية للشرطة ومقاطعة إدارية فإن الأمر يختلف تماما...
لقد "استباحت" بعض الجهات تلفيق كل التهم إلى "المخزن" كلما تعلق الأمر برد فعل عفوي ضد "حراكها" أو بحدث يتحدى القانون تورط فيه أحد أعضائها، فتشرع في "توزيع" صكوك الاتهام على كل ما يمت لأجهزة الدولة بصلة، في محاولة لإيهام الرأي العام أن لا يد لها في ما حدث، وأن كل ما يحدث يروم "التشويش" على مظاهراتها "السلمية" من أجل تحقيق مطالب اجتماعية بسيطة، كل يوم أحد، غير أن الانفلات الذي حدث في أسفي، يوم الاثنين، يشي أن ثمة تحول يحدث.
ولم تجد بعض الجهات لتبرر هذا الفعل غير اتهام الأمن بالضلوع في التخريب والإحراق بهدف الرغبة في "تعذيب" المواطنين، بل أكثر من ذلك حين أمر وكيل الملك بفتح تحقيق في هذا "البيان" مع رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بأسفي، سُميّ ذلك اختطافا، بالرغم من أن الذين سمو التحقيق معه اختطافا كانوا واقفين أمام مقر الأمن الأقليمي، وعلى علم أن الشرطة القضائية تحقق معه بناء على تعليمات النيابة العامة، وأخلت سبيله بمجرد الانتهاء من الاستماع إليه.
هل للأمن مصلحة في إحراق مفوضية تابعة له ومقاطعة إدارية؟ وماذا سيجني من كل ذلك؟ ولماذا اختار الإقدام على هذا الفعل في أسفي دون غيرها من المدن الأخرى؟
هل أمن أسفي جزيرة معزولة عن الدولة، يدبر و يخطط كيفما يريد من دون أي التزام بالقانون؟ ولماذا سيجز المسؤولون الأمنيون في المدينة بأنفسهم، في هذه المتاهة، مع بداية تطبيق الدستور الجديد؟
إن ما قام به فرع الجمعية مجرد تبرير لإبعاد المسؤولية عن الفاعلين الحقيقين، الذين قررت النيابة العامة متابعتهم، وإلقاء التهمة كلها على الأمن، بهدف البحث عن ظروف التخفيف للمتهمين.
لقد أوقف الأمن المتشبه فيهم،(الذين ليسوا بالضرورة من شباب 20 فبراير لأن شباب هذا الحراك لايُنشد العنف)، الذين يقفون وراء أفعال التخريب وإضرام النار، وتم التحقيق معهم وتقديمهم إلى العدالة، فلماذا اكتفت الجمعية ببلاغ عام، ولماذا ـ إذا كان لديها اليقين ـ لم تسارع إلى الإعلان عن أسماء رجال الأمن المتورطين في هذه الأفعال؟ ولماذا اختارت التعميم، الذي هو مرادف للتعتيم؟