حميد زيد.
قرأت اليوم مقالا للكاتب المصري علاء الأسواني في ثلاث جرائد مغربية، والغريب أنه نفس المقال ونفس الكلمات ونفس العنوان، ومع ذلك وجدته في كل جريدة مختلفا في المعنى، وذلك حسب اختلاف الخط التحريري لتلك الصحف الثلاث، وقبل ذلك اطلعت على نفس المقال في ألف موقع إلكتروني، حتى أصبت بالتخمة من علاء الأسواني وما يأتي منه، وقررت الانقطاع عن قراءته.
أحترم أن يرى مالكو تلك الجرائد في علاء الأسواني كاتبا عبقريا لم يجد الزمان بمثله، وأن يتسابقوا على نسخه ولصقه هو شأن خاص يتعلق بهم دون غيرهم، إلا أن المشكل يكمن في كون القارىء المغربي يشتري تلك الجرائد من ماله الخاص، ليكتشف في النهاية أنه اشترى جريدة واحدة لا غير، وإذا لم يخرج له علاء الأسواني من بين صفحاتها الداخلية، فإنه لن يفلت من عبد الباري عطوان، الذي يحظى هو الآخر بإجماع لا نظير له.
ولكي لا يبقى هذا المشكل مطروحا أقترح على تلك الصحف أن تنظم مزادا حول من سترسو عليه صفقة الانفراد بعلاء الأسواني، كي لا يتحول في نظر معجبيه إلى ضيف ثقيل، لا يترك صفحة إلا واستقر فيها.
يمكن أن يظن قارىء لا ينتمي إلى هذا البلد، لو تابع ما ينشر في صفحات الرأي في جرائدنا، أن المغرب محافظة مصرية، يسكن فيها أحمد منصور وعلاء الأسواني وعبد الحليم قنديل، لأنه نادرا ما نعثر على كاتب مغربي، وحينما نعثر عليه بمشقة، نجده مندسا في صحافة الخليج يكتب عن عبقرية شاعرة أو تشكيلية إماراتية أو يتحدث عن تاريخ القومية ومشيل عفلق في صحيفة لبنانية، وإذا كتب عن المغرب فإن الأمر يعتبر معجزة وخروجا عن المألوف، وحدثا غير مسبوق.
لا أتخيل جريدة مصرية تخصص حيزا من صفحاتها لكاتب مغربي يكتب عن الشأن السياسي المغربي، وحينما كان الخليج والمشرق ينشران للمفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري، فلأنه كان يتحدث عن العرب والمشرق، ولم يكن يهتم بالمغرب، وكل الأسماء المغربية الرائجة اليوم هناك، في لبنان والخليج، فإنها موجودة لأن عقلها مشرقي، وتكتب عن حزب الله وحماس والقومية واليسار العربي، كأن هناك شيئا اسمه فعلا اليسار العربي، ولا يعنيها أبدا ما يحدث هنا في الداخل.
تعاني صحافتنا المكتوبة بالعربية من عقدة نقص تجاه المشرق، رغم أن المغرب متقدم سنوات ضوئية سياسيا على تلك الدول، والنقاش والآراء التي كتبها المغاربة قبل عقود هي التي تروج الآن في مصر، والذي يقرأ ما يكتبه علاء الأسواني يعتقد للوهلة الأولى أن ما يقرؤه يتعلق بعصر النهضة، وبدل أن نروج لأفكار جديدة ونمنح الفرصة لما يعتمل من فكر ورأي مغربي، نعود إلى الماضي وإلى المشرق، ونكرس زيادة على ذلك هيمنة النجوم ونهمل كل الأسماء الكبيرة والأقلام المشرقية المهمة، التي وضعها الربيع العربي في الظل، للأسئلة المحرجة التي تطرحها ولعمقها المعرفي وقوتها الإبداعية، التي لا تنال إعجاب جيل الجزيرة وقطر ونادي المجلات الخليجية الصقيلة وعشاق خواطر أحلام مستغانمي السطحية والتبسيطية والموجهة إلى الجمهور الخليجي، بينما نتوفر على كاتبات مغربيات مبدعات، أكثر قيمة وموهبة من كل ما تنشره أحلام مستغانمي في الصحافة، ونتلقفه نحن كما لو كان كلاما مقدسا.