في كل التحولات التاريخية التي تعيشها الشعوب والمجتمعات تُفرز إرادتان: واحدة للاستجابة للتحول ولمعناه، وثانية لفرملته حتى تتحصن من كل تغييرات قادمة وحتى تضمن ديمومة الاستفادة من مواقعها وما تدرها عليها من امتيازات مادية أو معنوية.
سبب النزول هو انتصاب بعض الأصوات حزبية وحكومية و«صحافية» داعية إلى تلجيم الجرائد التي اختارت أن تكون في صف التحول، لكن من موقعها المستقل الذي يراعي مصلحة المغرب الرامية إلى تجسيد حقيقة التحول وإلى أن تلعب الصحافة المغربية دورها في النقد والمتابعة والتنبيه والنبش في كل الطابوهات التي رسمتها لنا المعاقل الطاعنة في الجمود والتكلس والمحافظة.
فهل يعاقب الصحافي حين يبادر إلى خلخلة بنيان هذه المعاقل؟ وهل يعاقب لأنه اختار أن يكون مع التحول لا مع مسببات الإعاقة المستديمة؟ وهل يعاقب حين اختار أن لا يكون بوقا مكررا للماضي أو مدافعا عن الخطإ بل اختار أن يكون مع الحقيقة حتى لو كانت أحيانا موجعة؟ وهل يعاقب الصحافي حين يغضب لوجود ممارسات لا تزال تشدنا إلى الكتمان؟
إن الجهات التي تذرف دموع التماسيح والعفاريت والضفادع شاهرة ورقة الدفاع عن المؤسسات والدفاع عن الملكية، هي في الواقع تتمترس خلف الدفاع عن مصالحها الشخصية لأن لا أحد يمكنه أن يكون ضد التحول الذي يعيشه المغرب الآن.
أما المؤسسات فهي تدافع عن وجودها بإشهار كناش تحملاتها المتمحور حول السعي لبناء مغرب ديمقراطي حداثي، وبإقدامها القوي على الإعلان الصريح، بالانسجام مع المد الكوني الذي يعلي من قيمة الفرد ومن حرية الإعلام ومن حق المجتمع في أن تكون له صحافة جريئة ومسؤولة ومواطنة، وأثبتت (أي المؤسسات) وطنيا أنها مع المستقبل، كما أثبتت أن «سجلها العدلي» خال من كل الأدران، وتحرص على أن تغني هذا السجل بمبادرات مشرقة في مجال الإعلام وفي مجال حقوق الإنسان وفي مجال الإنصاف الاجتماعي وفي مجال الإنصاف الترابي وفي مجال كرامة المواطن.
ولذلك لا ننتظر من أحد أن يزايد علينا في محبة الوطن والملك والمغاربة.
عبد الرحيم أريري، مدير نشر أسبوعية الوطن الآن