منذ أن هاجر الدكتور أحمد الريسوني ،الذي يصنف نفسه عالما في مقاصد الشريعة، إلى الخليج الذي طاب له المقام فيه ،وانغمس في أجواءه الحارة ذات الرطوبة العالية،إلى درجة جعلته يتكيف بسرعة مع هواءه،يكاد الريسوني أن يصبح ناطقا رسميا للفكر المتزمت ،ذو البعد والاتجاه الواحد الذي يرمي إلى فرض رأي معين- تقوم بعض القنوات التلفزيونية الخليجية بالتسويق له آناء الليل وأطراف النهار- وإلى تسفيه كل مخالف للفكر الضبابي الذي يخدمه بوعي أو بدون وعي منه .
ولعل خرجاته الأخيرة جعلته يبدو وكأنه الذراع الديني لبعض الأنظمة في منطقة الخليج التي تهددها الأخطار من كل جانب. ولا تخلو تلك الخرجات الريسونية من مهاجمة بلده والتجني على سياسييه ومناضليه ومثقفيه ومفكريه وفقهائه وعلمائه وفنانيه،المشهود لهم بالعطاء والحضور والتميز، ولا يقف الأمر عند هذا الحد ، بل يتجرأ أيضا على الطعن في مؤسساته، لدرجة جعلت البعض يتساءل حول ما إذا كان الرجل مدفوعا من جهة ما لخدمة أهداف ما .
لقد اختلط الأمر على الريسوني ،فتارة يتحدث وكأنه مفتي ولا راد لفتواه؛ وتارة يتكلم كمنظر لا يشق له غبار؛وفي كثير من الأحيان يهذي ،بل "يخربق"كما يقول المغاربة. وعندما يختلط عليه الأمر يجمع الفتوى والتنظير والهذيان و"التخربيق" في سلة واحدة ، ويبدأ في توزيع قنابله على من يريد. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
من هذا النموذج ،مثلا، أن الفقيه المسيس الريسوني لم يترك الفرصة تمر- في حوار مع موقع"هسبريس"- لينتقص من دور علماء المغرب وكرامتهم حين يقول أنهم يتطلعون إلى الحرية والاستقلال" لكونهم أحوج الناس إليهما ."
لا أخال إلا أن الريسوني ليس مغربيا أو أنه لا يعرف المغرب.إذا كان ليس مغربيا (حتى لا نقول أنه لا يريد أن يكون مغربيا ) فعليه أن يعرف أن أكثر العلماء تحررا في العالم الإسلامي هم علماء المغرب ، وإذا كان لا يعرف المغرب ،فلقد جاء الوقت لنقول له إن المغرب رائد في مجال الحريات على صعيد المنطقة المغاربية وشمال افريقيا والعالمين العربي والإسلامي، وعليه أن يفتخر بذلك أينما حل وارتحل إذا كان مغربيا حقيقيا .
وحينما يخلع الريسوني جلباب الفقيه ويرتدي بذلة المنظر المسيس،يتحدث عن"العوائق التي تقف في وجه إدخال الديمقراطية إلى مؤسسات العلماء بالمغرب" ودعواته المتكررة في هذا السبيل، يرجع كل شيء إلى من سماهم "أشباه العلماء وأنصاف الوزراء المستفيدين من تجميد العلماء ونيل المناصب والمكاسب باسمهم."
كنا ننتظر من الفقيه المسيس أن يتحلى بشيء من الشجاعة ويذكر هؤلاء العلماء مع "أنصاف الوزراء" ، خاصة وهو يعرف أن مساحات الحرية في المغرب اتسعت أكثر مما يتصور.
إن علماء المملكة المغربية وهيئتهم مسؤولون وواعون بالدور المنوط بهم، وليسوا من ذلك النوع من العلماء الذين لا شغل لهم سوى التهافت على القنوات الإذاعية والتلفزيونية ،في مقابل مبالغ مالية لا تسمن ولا تغني من جوع، وإصدار الفتاوى التي تحلل ما تشاء وتحرم ما تشاء ، وتخون هذا وتكفر ذاك ،وتؤدي إلى الجهل والحيرة والشك بل إلى الفتنة . وما تعيشه بعض البلدان في الشرق الأوسط دليل ناطق على نموذج التضليل والتيه..
إن دور هيئة علماء المغرب هو تأطير الحقل الديني ودعمه بالعلماء الفطاحل ،وبتكوين الأئمة والواعظين والمحدثين والمرشدين.. ولها نظامها وقانونها الخاص ومجالسها الإقليمية والمحلية،وهي تختلف كلية عن هيآت العلماء الموجودة في الشرق (هنا أيضا يكمن الاستثناء المغربي) التي يغلب على عملها إصدار الفتاوى؛ وفوق هذا هناك إمارة المؤمنين التي تتجسد في ملك البلاد ،وهذه خصوصية مغربية صرفة.
في الوقت الذي كال فيه"الإخواني" الريسوني ما شاء من المدح والإطراء ل"إخوانه" في مصر،مهنئا إياهم بما اعتبره "حدثا استثنائيا" ،المتمثل في انتخاب مفتي مصر،و"تحرر الأزهر من تدخلات الحكام وضغوطهم" ، تعقد لسانه ولم يستطع أن ينطق بكلمة خير في حق علماء المغرب الذين يضرب بهم المثل في العالم الإسلامي لتفقههم وتبحرهم ونباهتهم ووسطيتهم واعتدالهم، هم الذين ساهموا في نشر الإسلام في أدغال افريقيا وصقيع أوربا. كما تجاهل الدور الإشعاعي الكبير الذي قامت به جامعة القرويين وعلماؤها الأفاضل على مستوى العالم عموما والعالم الإسلامي خصوصا.
اتق الله يارجل في دينك ووطنك ونفسك.
كلمة لا بد منها:
إذا كان الريسوني يتحدث ،بإعجاب، عن الديمقراطية وانتخاب مفتي مصر،فلماذا لم يطالب بضرورة إشراك الشعب المصري في عملية الاقتراع ما دام أن الأمر يتعلق بمفتي مصر وليس مفتي هيئة علماء مصر؟
لا أثر هنا للديمقراطية التي تحدث عنها الريسوني.