لا تزال أوهام الحرب الباردة تدغدغ مشاعر الحزب الشيوعي الفرنسي، بالرغم من أن هذه الحرب وضعت أوزارها منذ أزيد من ثلاثة عقود من الزمن، فلم يجد ما يطلع به على الرأي العام الفرنسي، الذي لم يحدث قط أن منحه ثقته وأصواته، لأنه يعلم أنه من بقايا العهود البائدة، و أنه مجرد ذيل تابع لمعسكر شرقي مات وتحللت جثته، (لم يجد ما يطلع به) سوى " إدانة" الأحكام الصادر في حق مجرمي إكديم إزيك، الذين اعتبرهم بمثابة "معتقلين سياسيين"، رغم أنه يعلم علم اليقين أن المعتقل السياسي هو منْ يحاكم عن رأي عبّر عنه أو موقف اتخذه، وليس ما شحذ السكاكين والسيوف، وصنع قنابل المولوتوف، وأقام المتاريس بالحجارة، وأضرم النار في العجلات المطاطية، وقتل أفراد القوات العمومية، وشوه بجثتهم من دون أن يلين قلبه، وبدون رحمة ولا شفقة.
المعتقل السياسي لا يتبول على جثت القتلى الذي سقطوا على يديه، ولا يسحل الجثث أو يمثل بها.
المعتقل السياسي لا يجهز على أحد أفراد القوات العمومية فيذبحه كالخروف..
ولم يعثر الحزب الشيوعي الفرنسي ما يركب عليه سوى أن أطوار المحاكمة جرت أمام محكمة عسكرية، علما أنه لم تكن إحالة المتورطين في هذه الأحداث الإجرامية على القضاء العسكري أمرا اعتباطيا أو انتقاميا، و إنما استند على أسس و مساطر قانونية واضحة، منها:
ـ تكوين عصابات إجرامية٬ واستعمال العنف ضد قوات الأمن مما أدى إلى القتل العمد والتمثيل بالجثث .
ـ استخدام سيارات لدهس قوات حفظ الأمن مما تسبب في مصرع أحد عشر فردا من تلك القوات.
ـ العثور في حوزة المتورطين على مبالغ مالية هامة بالعملة الوطنية والأجنبية من بينها الدينار الجزائري.
وبغض النظر عن الإشكالية المفتعلة إزاء عرض مجرمي اكديم ايزيك على القضاء العسكري ، فان كافة الضمانات في سبيل إجراء محاكمة عادلة للمتهمين كانت متوفرة، علما أنه قد تم تكوين فريق عمل لملاحظة مختلف مراحل المحاكمة، يضم جمعيات حقوقية وطنية ودولية.
لقد أقر فريق من المحققين الدوليين، ناهيك عن استنتاجات المراقبين الوطنيين ، أن قوات حفظ الأمن لم تطلق ولو رصاصة واحدة تجاه عصابة القتلة، و إنما استخدمت في عمليات التفكيك السلمي لمخيمات الاعتصام باكديم ازيك، وسائل الردع المشروعة، التي من شأنها ثني المهاجمين عن عرقلة فك الاعتصام. و عوض أن تسفر تلك الأحداث عن مقتل وجرح عدد من مثيري الشغب -كما يقع في العديد من البلدان القريبة منا والبعيدة - فإنها أدت على العكس من ذلك الى استشهاد أحد عشر فردا من قوات الأمن والدرك والوقاية المدنية وجرح حوالي 70 من أفراد تلك القوات.
لكن يبدو أن الحزب الشيوعي الفرنسي لا يقيم أدنى اعتبار لكل هذه المعطيات بقدر ما يقيم الاعتبار ل" عقيدة"لم يعد يؤمن بها أحد. ولا غرابة بعد ذلك إن كان وحده يطبل خارج السرب " كأحمق في الزفة"، لم تنج الحكومة الفرنسية نفسها من عدوانيته.