هل كان المغاربة في حاجة إلى حركة تدعى" 20فبراير؟ التي تسعى اليوم إلى إقامة الذكرى الثانية لوفاتها بإحياء مآثم في بعض المدن، كما حدث يوم الأحد الماضي، إلا أن الذين خرجوا للترحم عليها لم يتعد 15 في مراكش و20 في كل من الرباط وطنجة و30 في شفشاون، و60 في تيفلت رغم الإنزال الكبير الذي قامت به قيادة النهج "الديمقراطي" حيث حل بالمدينة العديد من قيادييها من دون أن يحظى هذا الحضور بأدنى التفاتة ولو من باب حب الاستطلاع أو ما يسميه المغاربة فضولا؟
وإلى أي حد كان الرأي العام الوطني يعول على هذه الحركة البائدة لإحداث التغيير المطلوب ؟
بداية، لا بد من تسجيل الملاحظة التالية، وهي أنه لم يكن أحد ينتظر ظهور هذه الحركة – باستثناء أصحابها والراعين لها - مما يفسر التردد الكبير من طرف المواطنين إزاءها.
بطبيعة الحال، لا يوجد شعب يرفض تغيير أحواله وأحوال بلده إلى الأحسن والأفضل. وقد يقول قائل أن السعي للتغيير هو الهدف الأساسي وراء ظهور "حركة 20فبراير"، ولذلك فإن الحاجة إليها كانت ضرورية. لكن هناك سؤالا يطرح نفسه: أي تغيير جاءت به الحركة ؟ وهل كان بمقدورها فرضه بالطريقة التي تريد؟
لقد ظلت شعارات الحركة فضفاضة ومبهمة، يلفها الكثير من الغموض.وعلى العموم، تمحورت شعاراتها حول "محاربة الفساد والاستبداد، ومحاكمة فلان وفلان.." من دون تحديد ماهية الفساد، ومن دون توصيف طبيعة الاستبداد.
ومن المعلوم أن الفساد مفهوم عريض وواسع تدخل في دائرته جميع أنواع الغش والتدليس والتزوير والزبونية والمحسوبية، بل حتى الكذب والنفاق والمحاباة.. وقس على ذلك،ونفس الشيء ينطبق على مفهوم الاستبداد ، ذلك أن المقصود في ثقافتنا وتصورنا بهذا المفهوم ،هو الحاكم أو المسؤول بصفة عامة، ناسين أو متناسين أن الاستبداد يشمل الأب ،والمعلم،والأستاذ،والطبيب، والمحامي،ورجل السلطة،والبائع،وكل مؤتمن بصفتهم راعون ، وكل راع مسؤول عن رعيته.
هناك انزلاق آخر وقعت فيه الحركة، يتمثل في المطالبة بمحاكمة فلان وفلان – وحددت أسماء – بينما منطق صيرورة الحركات التي تطمح إلى التغيير يقول بضرورة ربط المحاسبة بالمسؤولية . ولا يكفي إطلاق التهم على عواهنها فقط لأن تلك الأسماء تشغل مناصب عليا. وكم من مسؤول نتهمه بالفساد والخيانة ... ويظهر أنه أنقى وأنظف بل وأطهر من كثير ممن يدعون النضال،والتحرر، والتقدمية، والتواضع، والإيثار... وهم في الواقع أكثر رجعية وظلامية ممن ينعتوهم بالرجعيين والظلاميين.
إجمالا، يبقى الفساد والاستبداد، والحرية والعدالة، والتنمية والديمقراطية، و...و.. مفاهيم ذات بعد شمولي، بحيث لا ينحصر مفهوم من هذه المفاهيم في وظيفة معينة، أو مجال معين، بل تشمل جميع مناحي الحياة. ومن ليست له القدرة على استحضار واستيعاب هذا، لن يكون بمقدوره أن "يحرك دجاجة من على بيضها."
بالنسبة لقدرة "حركة 20فبراير" على فرض التغيير بالطريقة التي تريد،تأكد ،فعلا، أنها تفتقد تلك القدرة ،لأمر بسيط جدا هو أنها لا تتوفر على هذه القدرة ، وبالتالي فلا طاقة لها بتحمل مسؤوليات تتجاوز حجمها ووجودها. وحتى عملية مواكبتها، إن لم أقل احتضانها، من طرف حزب"النهج الديمقراطي"، لم تكن بدافع الإيمان بقيم ومبادئ بقدر ما كانت محاولة السيطرة والتحكم في زمام "حركة 20فبراير" وتوجيهها نحو المسار الذي يريده حزب "النهج"، وهو مسار مناهض كلية للنظام القائم. إلا أن محاولة الركوب واستغلال حماسة شباب الحركة فشلت، بل فضحتها نباهة ويقظة بعض هؤلاء الشباب الذين سيبتعدون وينسحبون من الحركة نفسها.
في هذا الصدد ، يعترف مصطفى البراهمة ،الكاتب الوطني لحزب" النهج الديمقراطي" ،بعظمة لسانه ، أمام لقاء حول "وحدة اليسار" ،تم مؤخرا بمدينة مراكش،بأن"اليسار لم يتحمل مسؤوليته لقيادة حركة 20 فبراي،ولم نكن مستعدين لذلك"،بعد أن اتهم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية "بسقوط أقنعتهم" بسبب "عدم الخروج كأحزاب ضمن فعاليات حركة 20 فبراير."
هذا الاحتواء الذي كان يسعى إليه حزب"النهج الديمقراطي" ،هو الذي سيدفع "جماعة العدل والإحسان" إلى أن تنأى بنفسها عن صداع رأت أنها في غنى عنه ، وقد يدفعها إلى حسابات تضعها في زوايا ضيقة،ليسقط القناع عن نوايا متياسرين ضلوا النهج القويم بعد أن هرب عليهم قطار اليسار العقلاني والواقعي. وقد أحسنت "جماعة العدل والإحسان" صنعا حين اختارت هذا الموقف، لا لأنها جعلت "حركة 20فبراير" في موقف حرج، بل لأن موقفها فضح الوجه الحقيقي للانتهازيين الذين كانوا يدفعون البلاد إلى المجهول.
الغريب حقا أن تحظى "حركة 20فبراير" بهذا الاحتضان العجيب من طرف يمين متطرف ويسار في غاية التطرف، مما أفقد الحركة توازنها وجعلها مثل سفينة تتيه وسط الضباب والأمواج العاتية، ضاع فيها المجداف والملاح قبل أن "يهزها الماء."
كما أن هذا الوضع الأقرب إلى السريالي منه إلى الواقعي، جعل الكثيرين يسحبون تعاطفهم مع الحركة، وسحبوا معه الشعار القائل أن"20فبراير قادرة وحدها تضوي لبلاد"؟، ولكن باش... بأشخاص تخلوا عن أي وازع ديني وأخلاقي واستباحوا حرمة رمضان، و أجازا لأنفسهم المس بشخص الرسول الكريم ( ص)، واختاروا ممارسة الشهوات كالبهائم...
حمادي التازي.