ذات يوم ماطر من شهر فبراير قبل سنتين من الآن،
افترشت المقاهي مصغيا إلى تقارير الثورات على الجزيرة،
متأملا في تسارع الأحداث في الأقطار القريبة،
ومنبهرا كيف حاق بالحكام الجبر مكرهم فوق البسيطة،
سألت نفسي كيف أنقل هذه العدوى إلى بلادي الحبيبة،
علني أشيع الفوضى وانفث أحقادي الدفينة،
فارتد صدى سؤالي مسرعا باللوم والضغينة،
أو تقارن المغرب ببلدان استعبدت فيها البرية،
بلدان تصدح بصوت واحد لمبارك والعابدين وسيد إفريقيا،
مقتا لك من جاحد بالنعم والأمن والسكينة،
قلت ما عساي أفعل وأنا عديم الحيلة،
فأدنى السبل إلى الثراء هو الارتماء في أتون الثورات الآنية،
لربما أغنم منها منصبا في مجلس الثورة أو مقعدا في التأسيسية،
وربما أصير ناطقا باسم جحافل المهرولين نحو العدمية،
فانا شاب مشتت الأفكار، ضائع تخونه الوسيلة،
وفجأة، وأنا أهيم بأفكاري الثورية،
وجدت نفسي محاطا بعمامة شيخ وسندان الجمعيات اليسارية،
بادرني الشيخ، أن أفكارك يا ولدي هي وسيلتي الوحيدة،
قلت، بعفوية شاب غير متمرس، لما يا أبتي،
قال إنها القومة التي جادت بها رؤياي ذات ليلة،
القومة! قلت هل من تفسير لرؤياك المبهمة؟،
قال إن المريد منذور لشيخه يطيعه في أوامره ونواهيه،
يدفعه الى الشارع حطبا للثورة ويغنم من وراءه ما يريد،
وقتها أيقنت إنني مطية الشيخ إلى الخلافة المجهظة،
وإنني مجرد رقم في معادلة الشارع المعادي للسلطة،
فقلت بلا وجل أن المغرب أكبر من أن تسوده الأفكار الياسينية،
حينها أدرك الموت عمامة الشيخ ولم يتبق سوى ألوية النهج والطليعة،
فبادرتهم بالسؤال، ماذا تقدمون انتم لثوار الأفكار الفتية؟
بعيدا عن وشاح الدين ومكرمات العقيدة،
قالوا نحن ذوي نهج، وطلائع يسار تليدة،
نحن خدام الاشتراكية والشيوعية وحتى أجندة العدمية،
الثورة بالنسبة لنا أصل تجاري ومصدر تحويلات أجنبية،
الرفض والممانعة عندنا شعار ضد كل خطابات رسمية،
فلتعطنا أنت أفكارك وأحلامك الغضة النقية،
ونمنحك نحن شعارات ويافطات وملصقات وخلفيات سياسية،
ونعدك بان تكون قربان الثورة وهدير أهازيجها السمجة النمطية،
وقد تنال لرفعتك، عند مماتك، وسام الرفيق الحريف أو عبد الحميد أو الأخت خديجة،
أدركت وقتها إنني مجرد كومبارس مسلوب العزيمة،
وأن البطولة والإخراج والإنتاج في أيادي أناس ناقمة،
انتفضت في وجه الجميع، واستجمعت أفكاري التائهة،
وخرجت مهرولا لا تلقف نسائم تاسع مارس الجميلة،
وشاركت في نفحات فاتح يوليوز الرضبة، وحلوة المبسم البديعة،
واقترعت في ملحمة 25 نونبر الخالدة،
وصحت بأعلى الصوت، فليحيا المغرب عصيا على كل حقود وجحود وصاحب أفكار عدمية.
رشاد عتيد.