انتهت المحاكمة العسكرية في حق المتهمين 24 على خلفية قتل 11 من القوات العمومية من ضمنهم رجل ينتمي لسلك الوقاية المدنية، بصدور أحكام تراوحت من 20 سنة إلى المؤبد.
المحاكمة التي تابع أطوارها وفد هام من المراقبين الدوليين والوطنيين، وبحضور عائلات الضحايا والمتهمين، حيث وصفت بأنها "محاكمة عادية وأن المساطر والإجراءات التي اعتمدت لم تمس بشروط المحاكمة العادلة".
ربحت الدولة "الجولة الأولى" في هذا الملف، وبقيت "الجولة الثانية" معلقة، وهي تهم أساس قضية "أكديم إزيك"، بطرح التساؤلات من جديد حول الدوافع التي أدت الى ما وقع؟ وحول مسار تدبير ملف قضية الصحراء؟ وسؤال الديمقراطية وحقوق الإنسان في المغرب من شماله إلى جنوبه؟
"الجولة الثانية" في هذه النازلة غير موجودة بين جدران المحاكم، بل هي مفتوحة في الفضاء العمومي الوطني، فهل تحققت العدالة في هذا الملف؟
إن إنصاف عائلات الضحايا ورد الاعتبار للوطن، والانتصار النهائي للعدالة يحتاج بالإضافة إلى صدور أحكام وفق شروط المحاكمة العادلة، إلى مجموعة من التشريعات والتدابير مرتبطة أساسا بشروط الديمقراطية وحقوق الإنسان.
أولا: انتصار العدالة مرتبط بمراجعة منظومة القوانين الوطنية: وعلى رأسها قانون القضاء العسكري بشكل عام والظهير الشريف رقم 1.56.270 بشكل خاص، وذلك من أجل إلغاء التشريعات التي تسمح باختصاص المحكمة العسكرية في النظر في الجرائم الجنائية التي يرتكبها المدنيين في حق حملة السلاح وأشباههم، وجعل القضاء العسكري مختص حصريا في مجال "العسكريين فيما بينهم".
وارتباطا بالقضاء، إن المغرب مطالب اليوم بتنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، ومطلب الحركة الحقوقية، من أجل الانضمام لنظام روما الأساسي لسنة 1998، المنشأ بموجبه المحكمة الجنائية الدولية.
ثانيا: انتصار العدالة مرتبط بالرجوع لأسباب تشييد مخيم "أكديم إزيك": فالمخيم الذي تم إنشاؤه على خلفيات اجتماعية سرعان ما تحول إلى عبئ على الدولة والمجتمع من خلال تداعياته السياسية والجرائم التي ارتكبت خلاله.
ف"المخيم" كان بمثابة فضاء ضم بالإضافة إلى متضررين من الاقصاء من الامتيازات الاجتماعية من بطائق الإنعاش والشغل والسكن، فئات أخرى منها الموالية لجبهة البوليزريو وتطالب ب"الانفصال عن المغرب"، ومنها من لها انتماءات حزبية مهيمنة على تدبير الشأن المحلي بالمدينة، ومنها من تمثل قبائل صحراوية، منها أيضا البعيدة عن كل هذه الفئات وتعمل في شبكات التهريب والهجرة وكان أغلبها مبحوث عنهم من قبل السلطات العمومية، وعلى رأسها "والي أمن المخيم".
إن فضاء المخيم الذي ضم كل هذه المتناقضات والتباينات ذات المصالح المتنافرة، والتي اجتمعت كلها على فكرة "المخيم"، وهو تجسيد للواقع بمدينة العيون، فكان المخيم عبارة عن مدينة "العيون مصغرة".
"فالمخيم" على المستوى الظاهر ذو الأبعاد الاجتماعية، كان أيضا يضم مطالب خفية ومنطلقات متباينة، من الرهان لتحقيق مكاسب مادية وغير مشروعة إلى مكاسب حزبية وانتخابية وأخرى دولية همها "تدويل" قضية "المخيم" وجعله نزوحا جماعيا من أجل "الاستقلال".
وهنا لابد من استحضار دور النخب الصحراوية والهوة الكبيرة بينها وبين ساكنة العيون، بسبب التهافت نحو المصالح القبلية والشخصية، ومن جهة أخرى لاحترام القانون ومأسسة المطالب الاجتماعية، لتكون نتاج سياسات عمومية محلية وليست ريعا انتخابيا أو قبليا، وذلك من خلال إعمال مبادئ حقوق الإنسان بعدم التمييز والمساواة بين الجميع.
ثالثا: انتصار العدالة مرتبط بالتنمية المحلية: فاللجوء إلى المخيم كشكل احتجاجي لتنفيذ مطالب اجتماعية، يعكس وجود خلل في التوزيع العادل للثروات، ولاحتكارها من قبل أقليات هناك في مقابل تهميش الجزء الكبير من الساكنة، وبهيمنة ريع الامتيازات على امتياز المواطنة.
فآليات التنمية بالمنطقة أضحت مشوبة بفساد إداري، عبرت عنها الشعارات التي رفعت إبان المخيم، ودواء هذا الفساد يوجد دائما في إعمال آليات الشفافية والمساءلة في حق كل من ناهبي المال العام، لان حماية مصالح الفئات القليلة فقط تؤجج غضب الأكثرية، والتنمية المحلية القائمة على الحكامة الجيدة والديمقراطية التشاركية، هي صمام أمان الاحتقان الاجتماعي.
رابعا: انتصار العدالة مرتبط بالجيل الجديد من الصحراوين: فالتقسيم القائم الآن بين ساكنة الصحراء بين "الوحدويين" وانفصاليي الداخل" يهمش فئة كبيرة جدا من أصحاب الخيار الثالث، الذي لا يتطلع إلى حل سياسي بقدر ما يهمه حل إنساني يحفظ كرامته ويحقق العدل له.
جيل يرفض الارتزاق باسم "الوحدوية" أو باسم "الانفصال"، جيل يرفض الاستفادة من "ريع" الوضع القائم "بلا حل"، ويحلم بغد أفضل في حضن وطن يجسد هويته الصحراوية الحسانية ويضمن مستقبل أحفاده ولا يأبه في اللحظة الراهنة بلون "العلم"، وبطاقة هويته هي من تحقق هوية وجوده.
خامسا: انتصار العدالة مرتبط بوجود "دولة": والدولة تشتغل وفق مؤسسات مسؤولة ولها اختصاصات وصلاحيات واضحة وصريحة، ولا تشتغل ب"مبعوثين من جهات عليا" تجاوزا لمؤسساتها وأجهزتها، ولا تشتغل بمنطق "القبيلة والشيوخ"، والدولة تقر بحقيقة ما وقع في جغرافيتها بكل شجاعة وجرأة، وتحاسب الأفراد والجماعات ومختلف الأجهزة المسؤولين بشكل مباشر أو غير مباشر في أسباب إنشاء المخيم والتداعيات التي حصلت وفق مبدأ "عدم الإفلات من العقاب".
ختاما:
عدم الاستفادة من الدروس، ترهق الجهود وتضيع الفرص، فالدرس الأخير هو أن العدالة تتحقق بوجود "دولة المؤسسات" والانفتاح على المجتمع الفاعل باعتبار أنه قادر على حمل القضية الوطنية وإحقاق الديمقراطية وحقوق الإنسان من شمال المغرب إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه.