شرع أصدقاء الأمس في تنظيم الشبيبة الإسلامية المحظور يرجمون بعضهم البعض، واختار عبد الكريم مطيع، الكاتب العام للشبيبة الإسلامية، الذي يعيش في المنفى منذ ما ينيف عن أربعة عقود من الزمان بعد أن غادر المغرب هربا إثر امتداد أيادي عناصر هذا التنظيم "الإرهابي" بلغة القرن الواحد العشرين، لاغتيال أحد أبرز وجوه اليسار في شخص القيادي الاتحادي الشهيد عمر بنجلون لمجرد أنه لا يشاطرهم نفس الأفكار والمبادئ ولا يتقاسم معهم نفس الرأي والمواقف.
مذكرات عبدالكريم مطيع التي ينشرها على حلقات، ستربك حسابات الحزب الإسلامي، وبالتالي الحكومة الملتحية، لأنها تكشف عن بعض تفاصيل الحياة السرية لحزب العدالة والتنمية الذي يقدم نفسه كرجل ثقي نقي، لكنه، في العمق ينخره، النفاق.
الفقيه أو الشيخ مطيع يرسم، في مذكراته، الخريطة الجنينية لحزب وصل إلى السلطة التنفيذية على أكتاف المواطنين الذين رأوا فيه " المنقذ من الضلال"، لكن هذا المنقذ من بيضة السلطة خرج، وفي كنفها تربى ودرج.
ويصف مطيع أن حزب العدالة أسسته السلطة في ظروف خاصة، في إطار صفقة سياسية بين الراحلين إدريس البصري والدكتور عبدالكريم الخطيب تقضي بإشراك الإسلاميين في الحكم.
فبعد أن تعذر على حركة الإصلاح والتجديد (الجماعة الإسلامية سابقا) تأسيس حزب التجديد الوطني سنة 1992 اتصلت قيادة الحركة بالدكتور عبد الكريم الخطيب عارضة عليه إعادة إحياء حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية التي أسسها بعد انشقاقه عن الحركة الشعبية في سنة 1966 التي كان يقودها آنذاك المحجوبي أحرضان، ووافق الخطيب بشروط ثلاثة، هي:الإسلام والاعتراف بالملكية الدستورية ونبذ العنف.
وفي سنة 1996 عقدت حركة الخطيب مؤتمرا استثنائيا لتمكين القيادات الإسلامية من العضوية في أمانته العامة، ومنذ ذلك الحين بدأ ينظر إلى الحزب باعتباره حزبا إسلاميا.
وفي هذه الفترة كانت الحركة الإسلامية تدبر مشروعا اندماجيا بين فصيلين هما حركة الإصلاح والتجديد (كانت تصدر جريدة «الإصلاح» ثم «الراية») ورابطة المستقبل الإسلامي (كانت تصدر جريدة «الصحوة»)، وقد توج ذلك بالاعلان عن تنظيم جديد يضم الفصيلين هو: «حركة التوحيد والإصلاح» بقيادة الدكتور أحمد الريسوني.
شارك الحزب في الانتخابات التشريعية لسنة 1997 وحقق فوزا مقدرا بالنظر إلى محدودية الدوائر التي شارك بها(24 من أصل 325)حصل الحزب منها على 9 مقاعد أغلبها من العاصمة الاقتصادية، وقد كانت مناسبة إعادة بعض الدوائر فرصة لكسب 2 مقاعد إظافيين أحدهما هو المقعد الذي فاز به الأمين العام للحزب الحالي عبدالإله بنكيران في سلا ـ تابريكت بعد إلغاء المجلس الدستوري لانتخاب الاتحادي جمال أغماني ( وزير التشغيل السابق)، كما استقطب نائبا فاز باسم الحركة الوطنية الشعبية في شخص الحسين الكرومي بيعقوب المنصور بالرباط لكي يكمل العدد اللازم لتشكيل فريق نيابي الذي كان محددا وقتئذ في 12 عضوا، ولقد تم كل ذلك تحت الإشراف المباشر لوزير الدولة في الداخلية الراحل إدريس البصري.
كما يصف عبد الكريم مطيع الحزب باليميني. وفي هذا السياق لا أحد يستطيع إنكار أن حزب العدالة والتنمية خاض العديد من المعارك أشهرها معركته ضد الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، والتي كانت أقوى لحظاتها مشاركته الواسعة في مسيرة المليونين بالدار البيضاء بتاريخ 12 مارس 2002، مما جعل الحكومة تسحب خطتها، وتدخل الملك محمد السادس على إثرها وشكل لجنة وطنية من العلماء والقضاة والمفكرين أعدت مدونة الأسرة التي عرضت لأول مرة على البرلمان.
ومباشرة بعد الأحداث الإرهابية لـ 16 ماي 2003 تعالت الكثير من الأصوات السياسية وأعضاء من الحكومة مطالبة بحل الحزب لأنها اعتبرت حزب العدالة والتنمية يتحمل مسؤولية معنوية في تلك الأحداث، وتم وضع نقطة حل الحزب على جدول أعمال المجلس الحكومي غير أن وزارة الداخلية رفضت الدفع في هذا الاتجاه، ومباشرة بعد ذلك قلص الحزب من مشاركته في الانتخابات التي جرت في تلك السنة.
ولقد سبق للكثيرين أن أثاروا موضوع العلاقة التي كانت تربط عبدالإله بنكيران الأمين العام الحالي للحزب ورئيس الحكومة بعميد الأمن المتقاعد قدور اليوسفي، وهي علاقة تحوم حولها الكثير من الشكوك، رغم أن هناك من يسعى إلى تغليفها بغلاف الصداقة.
كما سبق لوفد يقوده المرحوم الدكتور عبدالكريم الخطيب أن زار ليبيا والتقى بالرئيس الراحل معمر القذافي وذلك في بداية التسعينيات من القرن الماضي، خلال اشتداد أزمة"لوكربي"، حيث صلى القذافي بالخطيب وبنكيران والعثماني وباها ويتيم، ونقل ذلك التلفزيون الليبي.
وكما يقول المثل " أهل مكة أدرى بشعابها"، ولا شك أن عبدالكريم مطيع يعرف قياديي العدالة والتنمية، الذين يتحملون اليوم الحقائب الوزارية أكثر من غيره، وهي معرفة تجعلهم يفضلون الصمت، بالرغم من أن الرأي العام ينتظر الرد، إعمالا ربما للمثل العربي: " كم حاجة قضيناها بتركها" فهل سيترك قياديو العدل والتنمية الحبل على الغارب أم سيمتلكون الجرأة الكافية لدحض ما جاء في مذكرات مطيع؟