قال بائع جوال لزميل له:"هل تعرف20 فبراير؟" رد زميله :" لا." قال البائع :" لقد ماتت ." أجاب الثاني وهو يحسب أن الأمر يتعلق بسيدة :"البركة في راسك."
تظاهرت بعدم الاهتمام .أخذت حاجتي وانصرفت.
جرى هذا الحديث الذي التقطته أذني في وقت كانت فيه هذه الحركة تحاول أن تؤثث المشهد السياسي الوطني ،وتؤثر على الشارع المغربي لتحويله إلى ساحة معركة يسقط فيه ضحايا.. ثم يأتي دور"الطابور الخامس" ليكمل المهمة ، ويقوم بالتطبيل والتزمير ل"الثورة" التي جاءت ل"تقتلع الفساد وتواجه الاستبداد وتسقط النظام".. إلى آخر الأسطوانة التي طالما رددتها أبواق "صوت العرب"- هي في الحقيقة سوط العرب - من قاهرة جمال عبد الناصر، في تبادل مريب للأدوار مع إذاعات وتلفزات الجزائر وليبيا التي كانت تخوض حملة مسعورة ضد المغرب.
أبناء "حركة 20 فبراير" اليوم لا يعرفون شيئا عن هذا، وربما لم يطلعوا عليه ولا استفسروا العارفين بخباياه وأبعاده. ومن لا يعرف تاريخ بلاده لن يعرف حاضره ،فبالأحرى الحديث عن مستقبله، بل إن من لا يحب وطنه لن يستطيع تغييره.
لن يتجادلا اثنان حول حقيقة أن الحركة في ذمة الله. ولن يتناقشا عاقلان حول الموت المبكر لحركة دخلت في سباق مع نفسها من أجل احتلال الشارع، وعجزت عن احتلال القلوب التي في الصدور. وتلك مهمة جليلة لا تواتي إلا أصحاب العقول النيرة، والزعامات الرائدة، ذات"الكاريزما" الفاعلة التي عرفها المغرب والمغاربة وطبعت أجيالا وأجيالا عبر القرون والعصور.
قبل أن يبدأ الوهن يدب في عروق الحركة، سارعت كتيبة ذات نهج غير ديموقراطي تماما، بتطعيمها بلقاح المناعة عسى أن ينفعها في الصمود، وقدمت لها الرضاعة والعناية المركزة وكل أسباب القوة، بدون نتيجة. لكن آخرين يقولون بالعدل والإحسان ،ولم نلمس فيهم لاعدل ولا إحسان، انتبهوا إلى أن المعركة التي يخوضونها مع هذه الحركة لا طائل من ورائها،فبادروا إلى قطع الأنبوب الذي كان يمد "الفبرايريين" بالقوة ،وانسحبوا عائدين ،بهدوء، إلى قواعدهم بعد أن تأكد لهم أن ليس هناك ما يجمع بين جماعتهم وبين هذه الحركة، وأن كل الحسابات التي "ضربها" بعض الفاهمين بالجماعة في أعلى جدول الضرب، انتهت بالأصفار. كما أن باقي المحاولات، التي كانت تتم "من تحت الدف"، بهدف إعطاء الحركة حياة جديدة، ظلت تدور حول نفسها قبل أن تنتهي بالفشل.
لا نتحدث عن الأحزاب والنقابات والمنظمات الحقوقية وجمعيات المجتمع المدني،والهيآت الإعلامية الوطنية التي لها باع في حقل المقاومة والنضال من أجل تحرير البلاد والإنسان ومن أجل إقرار الديموقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان،وواجهت الفساد والمفسدين بأقوى وأعتى ما تكون عليه المواجهة ، في وقت كان مجرد التفوه بكلمة "نضال" يدخل في إطار "كل ما من شأنه.."
مواقف هذه الفعاليات ومبادراتها هي التي أدت إلى انخراط المغرب في مسلسل طويل – ما زال مستمرا - من التغييرات والإصلاحات في وقت كانت فيه دول كثيرة تأخذ بالزعيم الوحيد والحزب الوحيد والنهج الوحيد والرأي الوحيد..لا أثر فيها لدستور ولا أحزاب ولا نقابات ولا جمعيات، وما زال شيء من هذه الدول في المنطقة العربية. وحين يموت هذا الوحيد، يصبح البلد بكامله في حالة يتم وكأنه لا يوجد فيه رجل واحد.. راشد!!
ما لم تعرفه الحركة وحال عنادها دون فهمه واستيعابه،أن المغرب،بلدها،ليس هذا البلد أو ذاك من البلدان التي اجتاحها "الربيع" الذي لم يثمر لا فلا ولا ياسمينا، ولا حتى سدرا أو "زعبولا". إنه مغرب التحدي؛ لا، بل مغرب الحضارات. حين تدرك هذه الحركة المعنى العميق لهذا المفهوم ستصل إلى عين الحقيقة.
المغرب ليس من هذا الصنف، كما أن ثقافته وحضارته وقيمه ووازعه الديني أيضا، يحول دون سقوطه في هذا الدرك الأسفل من الانحطاط والتفاهة والعبث واللامعقول ، بل الجاهلية الجديدة.
وإذا كان الشاعر"الجاهلي" يقول:
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
فإننا نقول اليوم في عصر الحداثة والتقدم والتنمية والتكنولوجيا المتطورة:
ألا لا يفهمن أحد علينا فنفهم فوق فهم الفاهمينا
****************
خلاصة القضية، أن "حركة فبراير" انتهت وانقضت . يمكن أن يكون لها وجود بالقوة، لكن ليس لها وجود بالفعل كما يقول المناطقة.
حمادي التازي.