الرئيس محمد مرسي انتمى للإخوان المسلمين فكرًا عام 1977 وتنظيميًا أواخر عام 1979 وعمل عضوًا بالقسم السياسي بالجماعة منذ نشأته عام 1992. ترشح لانتخابات مجلس الشعب 1995، وانتخابات 2000 ونجح فيها وانتخب عضوًا بمجلس الشعب المصري عن جماعة الإخوان، وشغل موقع المتحدث الرسمي باسم الكتلة البرلمانية للإخوان، وهو الرئيس السابق لحزب الحرية والعدالة، وعضو سابق بمكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين وأحد القيادات السياسية بالجماعة، وبالتالي فإن تخيلي المشهد المصري يفرض قراءة موضوعية وعلمية ودقيقة في فكر الفكر الإخواني ونظرتهم للآخر ليس فقط لفهم الحاضر وإنما لاستقراء المستقبل في مصر التي تعتبر أحد أبرز اللاعبين والمؤثرين في صياغة مستقبل المنطقة.
الحلقات التالية ستسلط الضوء على مواقف الجماعة تجاه الآخر ممثل بالمرأة والقوى الأخرى على الساحة السياسية والأقباط والإصلاح السياسي، وهذه الحلقة ستتركز على موقف الجماعة من المرأة. يعتبر موقف الجماعة من المرأة في المجتمع من أبرز القضايا التي تطفو على السطح والتي تشغل الرأي العام المصري والإسلامي والعالمي في آن واحد، حيث أن نظرة الجماعة إلى المرأة في المجتمع أضحت من أبرز القضايا المرتبطة بالحرية والليبرالية والدولة المدنية، وبالتالي فإن الإجابة عن العديد من القضايا التي تخص المرأة ومشاركتها السياسية وتقلدها مناصب قيادية بما فيها رئاسة الدولة تبقى أحد أبرز التحديات التي تواجه الجماعة في انطلاقها لميدان العمل العام الرسمي والشرعي وصاحب القرار في آن واحد.
منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، أسس حسن البنا قسم الأخوات المسلمات، وكانت أول رئيسة لهذا القسم هي لبيبة أحمد، وأنشأ أيضا معهد أمهات المؤمنين في الإسماعيلية، كما أن الجماعة رشّحت أكثر من مرة نساء على قوائمها الانتخابية مثل دكتور مكارم الديري، وجيهان الحلفاوي في مصر، أم نضال، ومريم صالح في فلسطين، ودكتور حياة المسيمي في الأردن.
-البنا والمرأة
تتعدد الأدبيات التي استعرض فيها البنا نظرة الجماعة إلى المرأة وحقوقها وواجباتها ودورها في المجتمع، ومن أبرز تلك الأدبيات ما كتبه البنا تحت عنوان "المرأة المسلمة"، والذي يستعرض به موقفه من المرأة وحقوقها والمتمثل بكونها شريكة للرجل بالحقوق والواجبات بما فيها الحقوق الشخصية والسياسية، كذلك فإن البنا يرى بأن الفوارق بالحقوق والواجبات بين المرأة والرجل مرده إلى اختلاف الدور الذي خلق من أجله كل منهما في المجتمع. حيث يرى البنا بأن الاختلافات الطبيعية في التكوين الجسدي والنفسي لكل من المرأة والرجل تحتم وجود فوارق في الحقوق وطبيعة المهام.
ويرى البنا أن من واجبات الرجل أن يعلم بناته القراءة والكتابة والحساب والدين وتاريخ السلف الصالح وتدبير المنزل ورعاية الأطفال، فيما يصف ما دون ذلك من العلوم مثل التبحر في علوم اللغات أو دراسة الحقوق والقوانين بأنه "عبث لا طائل منه" ولا داعي لانشغال المرأة في إضاعة وقتها فيه لأنها أولا وأخيرا للمنزل، كما يصف البنا.
ويؤمن البنا بأن المجتمع الإسلامي هو مجتمع فردي لا زوجي بمعنى أن للرجال مجتمعاتهم وللنساء مجتمعاتهن، حيث حارب الاختلاط واعتبره مقدمة للوقوع في المعاصي وسببا من أسباب خنوثة الرجال واعتبر خلوة الرجل بامرأة أجنبية من أكبر الكبائر، حيث يجيز البنا للمرأة مشاركة الرجال في مناسبات ثلاثة لا غير وهي "حضور العيد والخروج في الجماعة والمشاركة في القتال للضرورات القصوى"، ويقف البنا موقفا معارضا لمشاركة المرأة في العمل العام إذ يقول "يقول كثير من الناس إن الإسلام لم يحرم على المرأة مزاولة الأعمال العامة وليس هناك من النصوص ما يفيد بذلك، فاتوني بنص يحرم ذلك، ومثل هؤلاء من يقول أن ضرب الوالدين جائز لأن المنهي عنه في الاية الكريمة أن يقال لهما " أف" ولا نص على الضرب".
ويؤكد البنا ذات المواقف تجاه المرأة في رسالته نحو النور، والتي يؤكد خلالها على ضرورة مقاومة تبرج المرأة، وإعادة النظر في مناهج تعليم البنات، ووجوب التفريق بينها وبين مناهج تعليم الصبيان في كثير من مراحل التعليم، وتحريم الاختلاط بين الطلاب والطالبات، ويرى الباحث بأن نظرة البنا للمرأة قد امتازت بالتشدد والمغالاة، فاقتصار تعليم المرأة على ما يخدمها للقيام بدورها الوحيد الذي وجدت له وهو – البيت – كما يقول البنا هو تشدد وتوجه نحو أقصى اليمين يكاد الباحث لا يجد فيه اختلاف عن موقف القوى الراديكالية المتطرفة التي تجهد الجماعة بالنأي عنها، حيث أن الأخطر أن البنا يتحدث عن تلك المواقف كونها موقف الإسلام من المرأة مما يسقط عليها بعدا دينيا، على الرغم من اختلاف العديد من المفكرين الإسلاميين في نظرتهم لدور المرأة وحقوقها الشخصية والعامة من أمثال جمال الدين الأفغاني ورفاعة الطهطاوي ومحمد عبده، فقد دافع محمد عبده عن ضرورة تعليم المرأة أسوة بالرجل، واتخذ موقفا معارضا من تعدد الزوجات إذ يقول في كتابه "وبديهي أن في تعدد الزوجات احتقاراً شديداً للمرأة، لأنك لا تجد امرأة ترضى أن تشاركها في زوجها امرأة أخرى، كما أنك لا تجد رجلاً يقبل أن يشاركه غيره في محبة امرأته، وهذا النوع من الاختصاص طبيعي للمرأة كما أنه طبيعي للرجل".
-المرأة في رؤى مفكري الجماعة ورموزها
يرى سيد قطب بأن الإسلام قد ساوى ما بين الرجل والمرأة من حيث الجنس والحقوق الإنسانية، وكذلك في ناحية الأهلية للتملك والتصرف الاقتصادي، ويشير بأن التفاوت في بعض التفاصيل مرده الملابسات المتعلقة بالاستعداد والدربة والتبعة، كما ويؤكد سيد قطب حق المرأة بالعمل وقت الحاجة لكنه يفضل عليه قيامها برعاية الأسرة، ويشير بأن تفضيل المرأة للعمل على وظيفتها الأساسية يشكل جاهلية وتخلف حضاري وفي موضوع تعليم المرأة يتفق قطب مع البنا بضرورة الاختلاف في المناهج التدريسية لكل منهما حيث يرى قطب بأن ميادين الدراسة التي يجب على المرأة خوضها هي ما يتعلق بالطفل وغرائزه، صحة الطفل والحامل، أدب الأطفال، التربية الجنسية، ترويض الرجال، التدبر المنزلي .
فيما يظهر المستشار محمد مأمون الهضيبي، المرشد العام الأسبق للجماعة، المرأة نظرة منفتحة تجاه المرأة حيث يشير بأنها مخاطبة بالخطاب الإلهي فى القرآن الكريم والسنة، كخطاب الرجل، ومكلفة مثله، ومسئوليتها كاملة كمسؤولية الرجال في القضايا الجنائية والمدنية كالرجال، وتتمتع بالاستقلالية المالية والذمة المالية الكاملة دون حاجة لموافقة الرجال على تصرفاتها المالية، كما أشار بأن قوامة الرجل على المرأة لا تتعدى حدود المشاركة الزوجية القائمة على التواد والتراحم والتشاور، وأكد حق المرأة في المشاركة فى الانتخابات النيابية والمحلية والنقابات، وحقها في تقلد المناصب العليا باستثناء رئاسة الدولة، تاركا حث توليها لمنصب القضاء للاجتهاد. وهو الأمر الذي يوافقه فيه يوسف القرضاوي في فتوى له حول مشاركة المرأة في العمل السياسي إذ يشير إذ يقول بأن الإسلام لم يفرق بين المرأة والرجل حقهم بممارسة الحقوق السياسية، مؤكدا أحقية المرأة في تقلد مختلف المناصب العامة باستثناء الامامة الكبرى التي يرى القرضاوي إجماع علماء الأمة على اقتصارها على الرجال.
ويجمع مفكرو الجماعة ورمزها على موقف الجماعة باقتصار منصب الإمامة الكبرى على الرجال حيث تمسك محمد حبيب، النائب الأول السابق للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، بموقف الجماعة الرافض تولي المرأة منصب رئاسة الدولة، وصرح في مقابلة مع رويترز Reutersأن رئاسة الدولة يجب أن تكون لمسلم، مشيرا إلى أن الجماعة ارتضت هذا الخيار، وقال: أتصور أننا لن نعدل عنه، كما قال إن المسيحيين والنساء سيتولون جميع الوظائف العامة ويتمتعون بكل الحقوق بدون أي تمييز باستثناء رئاسة الجهورية.
-المرأة في مبادرة الإخوان للإصلاح:
يمكن استطلاع نظرة الإخوان المعاصرة للمرأة من خلال مبادرتهم الإصلاحية في الثالث من آذار 2004، والتي نصت "إن المرأة هي نصف المجتمع وهي القائمة على تنشئة الأجيال رجالاً ونساءً، فلا ريب في استحقاقها أن تكون الجنة تحت أقدامها، وهي مخلوقٌ طاهرٌ مكرَّمٌ، كرَّمه الله تعالى كما كرَّم الرجل (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم) وهي مخلوقٌ عاقلٌ ورشيدٌ، وهي مخاطَبة بالخطاب الإلهي في القرآن والسنة كخطاب الرجل، ومكلَّفة مثله، ومسئوليتها كاملة، فمسئوليتها الجنائية والمدنية كالرجل، وذمتها المالية كاملة، وجميع تصرفاتها المالية صحيحة ونافذة دون الحاجة إلى موافقة زوجٍ أو أبٍ أو أخٍ أو غيرهم، ونطاق قِوامة الرجل على زوجته محصور في مسائل المشاركة الزوجية فقط وهي قوامة مودةٍ وتراحمٍ وتشاورٍ في مقابل مسئولياتٍ يتحملها الزوج"، ولهذا المقام الكريم نرى:
1-أنَّ من حقِّ المرأة المشاركة في انتخابات المجالس النيابية وما هو في مثلها.
2-من حقِّها أن تتولى عضوية هذه المجالس في نطاق ما يحفظ لها عفتها وحيادها وكرامتها دون ابتذال.
3-من حقِّها تولي الوظائف العامة، عدا الإمامة الكبرى وما في حكمها.
4 -القضاء على الأمية المتفشية بين النساء، ولا سيما في الريف.
5- تضمين مناهج التعليم ما يتناسب مع طبيعة المرأة ودورها وحاجتها.
6 -صيانتها في كل مكان: في وسائل الانتقال، وفي أماكن العمل.
ويلاحظ الباحث تبني الإخوان في مبادرتهم الإصلاحية لرؤية الهضيبي تجاه الحقوق السياسية للمرأة حيث أن مقدمة المبادرة تجاه المرأة مأخوذة حرفيا من كتاب الهضيبي "الإسلام والسياسة"، والتي استعرض بها الهضيبي موقفه تجاه عدد من القضايا المعاصرة بما فيها المرأة.
كما يرى بأن مبادرة الإخوان الاصطلاحية لم تحدث تغييرا في رؤية الجماعة للمرأة ولم تشكل انعطافة حقيقية في فكر الجماعة تجاهها، حيث يرى الباحث أن رفض الإخوان لتولي المرأة لمنصب رئاسة الجمهورية "الإمامة الكبرى" يتعارض مع إعلانهم في أكثر من موقف أنهم مع الدولة المدنية، حيث أن الدولة المدنية تساوي بين الرجل والمرأة وتقوم على الاختيار الديمقراطي سواء كان رئيس الجمهورية رجل أم أنثى، وهو الأمر الذي أكده القيادي الإخواني وعضو البرلمان المصري السابق جمال حشمت حينما قال "ما جاء في ولاية غير المسلم والمرأة لا يناسب الواقع ولا الظروف التي نعيشها، ولا يناسب الدولة المدنية التي تحدث عنها الإخوان.
بالإضافة إلى أن الباحث يرى بأن غياب المرأة عن المواقع المتقدمة في الجماعة، ولا سيما مكتب الإرشاد الذي يخلو من أي امرأة، يشكل نقطة سلبية في مسيرة الجماعة إذ أن ذلك يتيح باب الانتقاد بأن من لا يمنح الحقوق داخل بيته الداخلي من الصعب أن يمنحه في البيت الأكبر المتمثل بالمجتمع.