عبد الرحيم أريري*
الفرق بين المغاربة وبين عبد الإله بنكيران، يكمن في أن المغاربة مؤمنون ومقتنعون بأن الله جل جلاله هو الذي يحميهم، في حين أن عبد الإله بنكيران يؤمن بأنه جاء ليحمي الله (!) وهنا الخطورة لأن من «اختاره الله» لا ينبغي أن يواجه بالنقد أو التعرض. وهذا ما يفسر لماذا يستشيط رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران غضبا كلما انتصب أمامه نائب برلماني معارضا، أو كلما رأى مظاهرة احتجاجية لمغاربة ناقمين أمام البرلمان، أو كلما نشرت جريدة مقالا، أو دراسة مناقضة لتوجيهات الحكومة، ذلك لأن من يعاكس حكومة بنكيران، في نظره، هو كمن يعاكس إرادة الله، وليس إرادة سياسي يخطئ ويصيب كباقي البشر! أما قصة الديمقراطية والانتخابات ودولة المؤسسات والقانون فما هي إلا خرافة، لأن الديمقراطية، بالنسبة لرئيس حكومتنا، هي فقط تزكية «لقرار إلاهي»!
تأسيسا على هذه الخلاصة يتعين إدراج النقاش السجالي الدائر حاليا بالمغرب حول صندوق المقاصة والعجز في الموازنة والعجز في ميزان الأداءات.
إذ في الوقت الذي سكت فيه عبد الإله بنكيران عن فضيحة ربع مليار كأجرة شهرية للمدرب غيريتس، فإن ذلك ليس مضرا بالميزانية وبالموازنة وبالإرهاق الجبائي!
وحينما يجيز بنكيران اليوم لرئيس جامعة الكرة منح أجرة 50 مليون سنتيم شهريا للمدرب الطاوسي لإنتاج الخيبة، فإن ذلك لا يشكل أي ثقب في الخزينة العامة. علما بأن هذا المبلغ لا يربحه الفنان المشهور عبد العزيز الستاتي (وهو الفنان الوحيد الذي يملأ ملعب محمد الخامس بـ 80 ألف فرد ويملأ ملعب «لحوالا» بالبرنوصي بـ 250 ألف متفرج).
وفي الوقت الذي يرخص فيه عبد الإله بنكيران لقيادي استقلالي مشهور باستيراد سيارات الفيراري تسدد بالعملة الصعبة، لبيعها بالسوق الداخلي، فإن ذلك لا يعتبر استنزافا لاحتياطي المغرب من الدولار والأورو والين الياباني.
وفي الوقت الذي يصادق فيه بنكيران على تخصيص «زبالة من الفلوس» لكل وزير ليشتري الحلوى والورد و«قريشلات وحبة حلاوة» لإكرام زبنائه الحزبيين الوافدين على الوزارات، فإن ذلك لا يمثل عبئا على المغاربة.
وفي الوقت الذي يرخص فيه بنكيران لمرجان وأسيما باستيراد «ياغورت» غربي غال «محنط» لعدة أسابيع يسدد بالعملة الصعبة فإن ذلك لا يمس بتوازنات البلاد المالية ولا يمس بمنتوج التعاونيات المغربية!
وفي الوقت الذي يحول فيه بنكيران 600 مليار سنتيم كل عام لمجلس المستشارين الذي زرعه الحسن الثاني مثل «المصرانة الزايدة» لكبح حكومة اليوسفي، فإن ذلك لا يدخل في باب إهدار المال العام على مجلس لا دور ولا قيمة له في الهندسة السياسية والدستورية بالبلاد!
وفي الوقت الذي يؤشر فيه بنكيران على قرار شراء وكراء السيارات الفارهة لكبار المسؤولين المركزيين والمحليين والمنتخبين باعتمادات تقارب «الخيال العلمي» في كل وزارة وفي كل مؤسسة عمومية وفي كل جماعة، فإن ذلك لا يمس بحقوق المستضعفين!
وفي الوقت الذي ينبطح فيه رئيس الحكومة أمام سفراء أوربا لمنح كل الصفقات للشركات الغربية بدل الشركات الوطنية، فإن ذلك لا يعد تهديدا للأمن القومي، لدرجة أن الشارع أصبح في عهد بنكيران أكبر شركة توظيف بالمغرب، بالنظر إلى أن كثرة التسريحات الجماعية وانحباس التشغيل في القطاع الخاص أدت إلى ارتماء الكل في الشارع، ومع ذلك فإن ذلك لا يعد، في نظر «حبيبنا» بنكيران، خطرا على التوازنات الماكرو اقتصادية!
فبنكيران منذ أن جاء وهو يشدد الخناق على الطبقة المتوسطة بالبلاد: أساتذة، محامون، أطر بشركات وأبناك، مقاولون صغار، جامعيون، أطباء، صيادلة، رجال أمن...إلخ، بشكل لم يتردد في توجيه الضربة تلو الضربة لهم (رفع ثمن المحروقات، تجميد مشروع السكن للطبقة المتوسطة، تأزيم وضع المقاولات التي تتعامل مع الإدارات المركزية والمحلية والجماعية...). واليوم يريد تتويج ذلك بتفكيك صندوق المقاصة دون إنجاز دراسة جدوى ودون إنجاز دراسة عواقب ذلك على الشريحة الواسعة من صغار ومتوسطي الأطر والموظفين.
وحينما يواجه بالسؤال، يقول إنه ورث الأزمة عن حكومة جطو وحكومة عباس. والحال أن بنكيران تحالف مع حلفاء جطو وحلفاء عباس من جهة، وتناسى أنه «انتخب» من طرف الشعب لحل الأزمة وانتخب لابتكار صيغ جديدة لمواجهة الضائقة المالية ولم ينتخب لذبح المغاربة.
ألا يستحق هذا الوضع الكارثي توقيع عريضة لمطالبة الحلف الأطلسي بقصف المغرب للبرهنة على أن لا شيء يسير على ما يرام.
فما الفرق بين ليبيا القذافي وحكومة بنكيران؟ فكلاهما مجنون بالسلطة، وكلاهما يتحلل من المسؤولية، وكلاهما يحتقر الكفاءات ويحتقر رجال الأمن والجامعيين والباحثين والعلماء والمقاولين الذين يخاطرون بأملاكهم لتنمية شركاتهم.. وكلاهما محور تنكيت الطبقة السياسية والإعلامية!!
فاللهم لطفك!
* مدير نشر أسبوعية الوطن الآن