أحمد عصيد
بدأ إخواننا الإسلاميون يتحولون بالتدريج إلى حالات عُصابية (أي حالات المرض النفسي)، تستدعي علاجا عاجلا قبل فوات الأوان، والمثير للإنتباه أن ضحايا هذه الحالة المتوترة يحاولون جاهدين الظهور بمظهر الشخصيات السويّة، بينما هم في الواقع في أعلى درجات الاضطراب النفسي.
فالسلوك المخجل لنواب برلمانيين مغاربة داخل طائرة مصرية، والذي وصل إلى حدّ إحداث الفوضى وتهديد أمن الركاب، لا يمكن أن يفسّر إلا بحالة العُصاب القصوى، والتي من علاماتها أن الشخصية المضطربة لا تراعي وجود الآخرين ولا تنتبه إليهم، وأنها بحكم توترات داخلية تتعامل مع محيطها بعدوانية قد تشكل خطرا على الغير، كما أنّ من علامات العُصاب كذلك الخوف الشديد من ظواهر عادية، بسبب الهلوسة والوسواس، ولا شك أن هذا ما أصاب النواب الإسلاميين المغاربة وهم يشاهدون قبلة بين بطلي فيلم سوبرمان اللطيفين، ولا شك أن هذا ما انتابهم أيضا أمام قبلة الكاتب المغربي موليم العروسي لزوجته، فجمالية الصورة تحولت إلى مشهد قاس يبعث على الرعب في أعين الإسلاميين، حيث قفزت إلى الذهن مشاهد النار والعذاب وهي تلتهم أجساد المحبّين والعشاق، كما تصوروا الصراط والميزان وأبواب جهنم وهي تفتح لهم بسبب القبلات الحرام التي ستكون لها تبعات خطيرة في الآخرة، وقبل ذلك في الدنيا لما تسبّبه من "فتنة" و"ضلال". هذا هو الشريط المرعب الذي مر في لمح البصر في أذهان إخواننا الإسلاميين، وإذا ما عُدنا إلى أدبيات التحليل النفسي فإن تفسير ما يقع هو تضخم "الأنا الأعلى" الممثل للرقابة الزجرية للمجتمع داخل الجهاز النفسي، وهذا التضخم يؤشر إلى حالة اضطراب نفسي، تماما مثل تضخّم "الهو" ممثل الغريزة الذي يتمظهر في ارتكاب الجرائم كالاغتصاب والاعتداء الجنسي والسرقة وغير ذلك من السلوكات المُضرة بالمجتمع . وتبقى الشخصية السوية هي التي تحافظ على نوع من التوازن الذي لا يفرط في قهر الذات وحرمانها، كما لا يبالغ أيضا في إطلاق شهواتها وإشباع الميولات الغريزية على حساب الغير، ولهذا اخترع الإنسان الفنّ والجماليات من سينما ومسرح وشعر و غناء ورقص وآليات نفسية أخرى للتنفيس عن مكبوتاته بطريقة يقبلها المجتمع، ولكن بالطبع لا يقبلها المتطرفون الدينيون، ولهذا يمثل التشدّد في الدين أحد أكبر عوامل الأزمة النفسية في البلدان الإسلامية بتأثير من عامل الكبت والرقابة المبالغ فيها، وشيوع منطق التحريم الهذياني، يفسر هذا السبب الذي يجعل بلدا كالعربية السعودية يعرف نسبة مروعة في اغتصاب الأطفال وهي 44 في المائة، مما ينبئ عن مجتمع مريض بلا جدال.
ولكن قد لا يرضى إخواننا الإسلاميون عن هذا التحليل الذي من الممكن أن يبدو لهم مجحفا في حقهم، إذ يعتقدون مثل كل الشخصيات المضطربة بأنهم في صحّة نفسية جيّدة، في هذه الحالة علينا أن نجد قراءة أخرى، فنقول إنّ مشكلة انتفاضتهم المظفّرة ضدّ القبلات وضدّ الحبّ ومظاهر العاطفة الإنسانية إنما منشأه رسوخهم في البداوة، بداوة الفكر والسلوك، وهو أمر يمكن أن يفسّر ما حدث، حيث يحرص المرء وهو في العالم القروي على مراعاة مشاعر السكان الفلاحين والرعاة فلا يُقبل زوجته أو صديقته أمامهم، بل لا يُقبل حتى أبناءه. لكن ستعترضنا مشكلة أخرى وهي أن سكان بعض البوادي المغربية سيغضبون منا لأنهم أيضا يعرفون الحبّ والجمال ويتبادلون أشعار العشق والهيام، ويمارسون الرقص المختلط تماما كما في أوروبا وأمريكا، مثلما هو الشأن في أحيدوس مثلا أو أحواش وغيرهما من الرقصات العريقة والخالدة، كما يمارسون عادة "أسقر" أو "تاقرفيت" التي تعني السّمر بين الشبان والفتيات.
في هذه الحالة ليس علينا لكي نجد أصل المشكل إلا السفر إلى صحراء نجد بالحجاز، منشأ العقيدة الوهابية، واستطلاع كيف يعيش بدو قريش ومن والاهم، والمنشغلون هذه الأيام بنقاش حادّ حول قضيتين خطيرتين: الأولى ظهور عارضة أزياء في إيطاليا من أصل سعودي، اعتُبرت "إهانة لكرامة الأمة الإسلامية جمعاء"، والثانية حول تحريم لبس السروال من طرف الرجال والخروج به إلى الشارع، وهكذا سنفهم أصل البداوة المقصودة.
لكن المشكلة التي سنصادفها أن إخواننا الإسلاميين قضوا جميعا في الأوساط الحضرية المغربية سنوات غير يسيرة، كما ارتادوا الجامعات والمعاهد العصرية، بل ولجوا مؤسسات الدولة، وعاش بعضهم ودرس في بلاد الإفرنج والأمريكان، مما يؤهلهم لاستيعاب قيم التمدّن والحضارة، والتغلب على ترسبات البداوة في نفوسهم وأذهانهم.
نضرب أخماسا في أسداس، ونقول إن مشكلة إخواننا هؤلاء هي أشبه بالموضة العابرة، وليس علينا إلا أن نتحمل شغبهم إلى أن يتعبوا أو يندمجوا في عصرهم أو يخجلوا من أنفسهم، ويتجنبوا الوقوع في مثل ورطة الطائرة المصرية، وذلك بإجراء بسيط يقيهم شرّ الزلل والفتنة: أن يُغمضوا أعينهم ويتخيلوا الجنة الموعودة، عوض الخيار الأصعب الذي انخرطوا فيه، بمحاولتهم جعل كل الآخرين ينضبطون لاختياراتهم وقيمهم التي لا تخصّ سواهم، وهو خيار إن أصرّوا عليه من شأنه أن يتسبب لهم في شقاء مستديم، ما دامت القبلات والأفلام ومباهج الدنيا ستزداد شيوعا، ولن تنقطع من الحياة العامة والخاصة ما دام الإنسان موجودا، والحضارة مستمرة.