أضيف في 01 غشت 2011 الساعة 37 : 19
شكل خطاب العرش لهذه السنة دفعا جديدا لدينامية الإصلاح ومرحلة من مراحل فعالية المؤسسة الملكية طيلة هذه السنة والتي إنطلقت من خطاب 9 مارس مرورا بخطاب تقديم الدستور الجديد ووصولا إلى خطاب العرش , ولعل كل الملاحظين سجلوا أن خطاب هذه السنة جاء منسجما مع المقتضيات الدستورية الجديدة والدور الهام والحاسم الذي أناطه الدستور بالملك كحطم بين جميع المؤسسات وكضامن لنفاذ الدستور , فلم يحدد الملك تاريخا للإنتخابات بل وجه خارطة طريق واضحة واضعا لها سقف نهاية 2012 للإنتهاء من ورش تجديد مؤسسات الدولة وفقا لما ينص عليه الدستور الجديد..في السابق لم يكن هناك ما يمنع الملك من تحديد تاريخ الإنتخابات اليوم فإن الكرة لدى الحكومة ومختلف الفاعلين , والملك قدم الإطار العام الذي يجب إحترامه والتقيد به والإنتباه له , فقد شدد الملك على بناء التوازن بين الإعداد الجيد للقوانين وبين تدبير أمثل للزمن السياسي أولا من حيث أن الظروف العامة تقتضي إعطاء مضمون حقيقي للدستور الجديد وذلك لن يتم سوى بتنصيب المؤسسات التي ينص عليها وفق إختصاصاتها الجديدة وثانيا التقيد بالطابع الإنتقالي للأحكام الإنتقالية للدستور أخدا بعين الإعتبار أن الورش المؤسساتي يقتضي دينامية خاصة مادام أن أفقها هو سنة 2012 كأجل أقصى. الخطاب الملكي جعلنا عمليا أمام ما يجري في إسبانيا , حيث أن رئيس الحكومة هو من قرر تقديم الإنتخابات التشريعية عن موعدها بأربعة أشهر وليس الملك , وهو ما يعني أننا بدأنا في تنفيذ بنود الدستور الجديد , والأهم في الخطاب الملكي هو أنه حسم في موضوع التأويل الديمقراطي للوثيقة الدستورية , وقد سبق وأن نبهنا في هذا العمود إلى هذه المسألة حيث إعتبرنا أنها سوف تكون أم المعارك في المرحلة المقبلة , وجاء الخطاب الملكي لكي يعزز القراءة الديمقراطية للدستور وهو ما سيجعل القوى المحافظة والتحريفية في الزاوية , فالخطاب كان واضحا ومنسجما مع الإرادة الملكية المعلنة منذ 9 مارس , وهو ما يجعل المسؤولية مضاعفة على الصف الوطني الديمقراطي , فلامجال بعد اليوم للحديث عن جيوب أو « جوارب « المقاومة فالخطاب الملكي أعلن وفاتها في السياق السياسي المغربي الحالي , فالخطاب وجه دعوة صريحة لجميع الفاعلين بتحمل مسؤولياتهم من أجل الإعداد الجيد والتوافقي وأيضا في مواجهة العدمية والخطابات التضليلية والتحريضية على المسار الذي دخله المغرب, فالأحزاب يجب أن تتحمل المسؤولية كاملة وعلى موظفي الداخلية أن يلتزموا بموقعهم الطبيعي بدل القفز على الجوانب السياسية التي تبقى خاصة بالأحزاب وباقي الفاعلين السياسيين. وجه الخطاب أيضا رسالة مهمة حول الحكومة المقبلة التي عبر بخصوصها عن رغبته بأن تكون منسجمة ومتضامنة , وبصراحة يجب القول أن إستمرار الحكومات التي أفرزتها تجربة التناوب التوافقي في ما يمكن تصنيفها ضمن الديمقراطية التوافقية , لم يعد لها إمكانية الوجود ولا مبررات ذلك , فالحاجة اليوم تقتضي فرزا واضحا بين الكتل السياسية بدل هذه التركيبات التي لا يمكن تخيلها سوى في أحلام عبارة عن كوابيس...فلا يمكن للشارع بعد اليوم أن يقبل بأن تتحول الإنتخابات فقط إلى مناسبة لإعادة ترتتيب القوى السياسية داخل الحكومة مع فراغ فضيع في المعارضة , حيث نتج عن هذا الفراغ أن كل القضايا والمطالب موجودة اليوم في الشارع وهو ما يشكل الوصفة القاتلة للديمقراطية والإستقرار. صحيح أن المرحلة التي يجتازها العالم اليوم ولا تستثني أي نظام سياسي تتجسد في اللجوء النمطي للشارع فمن تل أبيب إلى لشبونة ومن أثينا إلى الرباط مرورا بمختلف العواصم العالمية , فإن الإحتجاج وإن إتخذ طابع المطالب الإجتماعية , فإنه لا يخفي تذمره من عجز الديمقراطية الحالية عن الإستجابة لمطالب الشعوب , ولعل نتائج الأزمات المالية والإقتصادية ذات الطابع المعولم كشفت أن الحكومات الوطنية تظل عاجزة عن تقديم حلول مستقلة لشعوبها , وهو ما يجعل الإنتخابات وغيرها من الآليات الديمقراطية لا تفي بغرض تحقيق التغييرات المنشودة وهو ما يجعل العالم ككل على عتبة حقبة جديدة يمكن نعتها بنقص شديد في المناعة الديمقراطية , وهي مرحلة لا يمكن أن تتطور سوى في إتجاهين , الأول هو إعادة النظر في لا عدالة الإقتصاد العالمي وإستعادة الدول الوطنية لسيادتها في وجه الشركات العابرة للقارات وبناء عقد إجتماعي جديد مع شعوبها , والإتجاه الثاني سوف يتجسد في تصاعد النزعات الوطنية الشوفينية وبناء معارك جانبية متوهمة خاصة بالهوية والمعتقدات الدينية كغطاء لخطابات عدمية تستهدف المؤسسات التي طبعت الديمقراطية كما تبلورت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية , وهذا التوجه لا يمكن أن ينجح سوى إذا إهتز السلم العالمي. في هذا السياق جاء الخطاب الملكي وكل إعادة قراءة له توضح أن المؤسسة المالكية على دراية بما يجري , يبقى أن على باقي الفاعلين في الوطن أن يجسدوا بدورهم هذا الوعي
|