|
|
|
|
|
أضيف في 11 فبراير 2013 الساعة 17 : 11
لا ينتظر بعض الآباء مباغتة القدر في تغييبهم عن الحياة الدنيا نحو الحياة الآخرة، ليختاروا تقسيم تركتهم على اختلاف قيمتها بين أبنائهم وهم أحياء يرزقون. يبرر بعضهم الموقف على اعتباره محاولة لتفادي مشاكل ونزاعات قد تفرق بين أبنائهم بعد رحيلهم، في الوقت الذي ينطلق فيه آخرون من رغبتهم في تفويت أشياء معينة لمن يستحقها قبل أن تغير القسمة الشرعية للإرث مسارها لتستقر بين يدي من لا يستحقها. اختار الحاج حمزة منذ سنوات ترك عمله كإطار بنكي ليتفرغ لإدارة أعماله الشخصية في العقار وتجارة أجزاء السيارات. سنوات بعد ذلك وتحديدا بعد أن اشتد عود أبنائه اختار الحاج حمزة التفرغ للعبادة على اعتباره من مريدي إحدى الزاويا الدينية. * يقسم تركته ويتفرغ للعبادة خطوة التفرغ للعبادة سبقتها خطوة تقسيم تركته بالتساوي على أبنائه من الذكور والإيناث بعد أن أنهوا دراستهم والتحقوا بوظائف تتماشى والاختصاص الذي اختاره كل واحد منهم باستثناء شقيقتهم الصغرى التي كانت في بداية مشوارها الدراسي . «لقد سهل وعي إخوة زوجي من سهولة تقسيم التركة حسب احتياجات كل واحد منهم» تقول نادية زوجة أحد أبناء الحاج التي رأت أن تقسيم التركة كان أشبه بتقسيم الإرث حيث كان نصيب الإخوة الذكور ضعف نصيب الإيناث. كان الأمر مرضيا نوعا ما على الرغم من بعض التحفظات الصادرة من أزواج بنات الحاج، والتي تمكن الأب من امتصاصها من خلال إقناع بناته أن نصيبهن سيكون أشبه برأس مال مدر لأرباح أكبر داخل مشاريع إخوتهم الذكور على اعتبار الشقيقات اخترن دراسة الطب. «لقد مرت الأمور بسلاسة بعد أن أخذت شقيقات زوجي نصيبهن ، في الوقت الذي اختارت شقيقته الصغرى أن تضم حصتها لحصة زوجي لتأسيس شركة في مجال البناء» تقول نادية التي ترى أن فكرة والد زوجها كانت منصفة، «لأن البعض يساهم في تنمية ثروة العائلة أكثر من البعض الآخر، لذا من الأحسن أن يأخذ الشخص حصته ويعمل على تنميتها بكل جهد دون تخوف من وجود شخص يقاسمك حصاد ما زرعته من جهد وسهر…». * تتخوف من تحريض أزواج بناتها قد لا تملك نصيرة ما يملكه الحاج حمزة، لكن ذلك لم يمنع السبعينية القادمة من بركان منذ ما يزيد عن الخمسين عاما رفقة زوجها، من اتخاذ خطوة تقسيم تركتها المتواضعة على بناتها الثلاث خوفا من دخولهن في صراع بعد وفاتها، « هاد الشي ديال الورث كيخلع، كل نهار كتسمع العجب فهاد الدنيا اللهم الواحد يقسم داك الشي اللي عندو قبل ما يموت» تقول رشيدة جارة نصيرة التي كانت من القلائل الذين ساندوا نصيرة في قراراها. كان التخويف بجحود البنات بعد أخذ نصيبهن أكثر ما يحاول المعارضون التلويح به لإقناع نصيرة من التخلي على فكرة تقسيم التركة، خاصة أن صلتها بعائلتها في بركان أصبحت شبه مقطوعة منذ استقرارها بالدار البيضاء، ووفاة كل أشقائها. لم تقتنع نصيرة بما يقال لها، وفوتت حليها لبناتها، ومسكنها المكون من طابقين لبناتها الثلاث، حيث فوتت ملكية الطابق الأرضي لابنتها البكر، والطابق الأول لابنتها الصغرى، في الوقت الذي فوتت ملكية سطح المنزل الذي يضم غرفة واحدة مع إمكانية إضافة طابق إضافي لابنتها الوسطى المقيمة بإيطاليا رفقة زوجها. تقيم نصيرة في منزلها الذي فوتته لبناتها اللواتي يعشن في ظروف ميسورة رفقة أزواجهن بعيدا عنها، لكنها ترى في خطوتها حسب قول جارتها نوعا من التحسب لما يحمله المستقبل بعد وفاتها، بعد أن سمعت الكثير عن قصص الأزواج الراغبين في الاستئثار بإرث زوجاتهن من خلال تحريضهن على باقي الإخوة ! * جهد يفوق نصيبه في الإرث بالنسبة لمصطفى لم تكن الروايات التي يسمعها من الناس دافعه نحو تقسيم ترتكته على أبنائه وهو على قيد الحياة، لأن الرجل اكتفى بالنبش في ذاكرته حول ما طاله من ظلم ليقرر تقسيم ماله على أبنائه وبناته مكتفيا ببيته الذي يضم مخبزة تدر عليه مدخولا يوميا. ترى زوجة مصطفى أن قرار زوجها كان صائبا للغاية، «لأنه قسم إرثه على أبنائه وفقا لما يرضي الله.. عطى للولاد عود وللبنات نص عود» تقول الزوجة بالتعبير الدارج المشير للفرق بين نصيب الأنثى والذكر. استحسان الزوجة لخطوة زوجها جاء نتيجة معاناتها من القطيعة التي عاشتها مع عائلة زوجها، بعد أن شعر هذا الأخير أن قسمة الإرث كانت ظالمة بعد أن وجد أن حقه مساو لحق أشقائه الذكور الذين تابعوا دراستهم، وعاشوا حياة مدللة في الوقت الذي اضطر فيه لترك دراسته رغم تفوقه، من أجل التفرغ لمساعدة والده. كانت حياة البادية قاسية جدا، وكان مصطفى يتحمل كل الأعمال بداية من مشاق تتبع مراحل الزراعة وتربية الماشية، إلى مصاعب التسويق، وذلك على أمل أن يحظى بحصة إرث تعادل مجهوده، لكن والد مصطفى رفض تفويت أي شيء لمصطفى دون علم باقي أشقائه عندما كان على مرض الموت، طالبا منه أن يقنع بنصيبه الشرعي. إحساس مصطفى بالغبن دفعه لتقسيم ثروته على أبنائه حتى يتمكن كل واحد من تنمية نصيبه حسب جهده، أو تحمل مسؤوليته في تضييعه، «الحمد لله أعيش أنا وزوجي مستورين من مدخول المخبزة، ونأمل أن يظل البيت الذي بقي في ملكية زوجي مفتوحا بعد وفاتنا من طرف أبنائنا، كما هو مفتوح في حياتنا» تقول زوجة مصطفى التي تفتخر أن بيتها يتحول لنقطة التقاء لجميع أبنائها خلال نهاية الأسبوع والأعياد بعد أن حاز كل واحد منهم نصيبه من تركة والده، ووظفه في دعم مشاريعه الشخصية. * «لا أتخيل ذهبي بين يدي شخص غير ابنتي» لفاطمة أسبابها الخاصة التي قد لا تشبه أسباب باقي الآباء الذين قرروا تقسيم تركتهم في حياتهم، «لا يمكنني أن أتخيل ذهبي بين يدي شخص غير ابنتي» تقول فاطمة الأم لأربعة أبناء، وابنة في الأربعينات من عمرها. اختارت فاطمة أن تدخر مالها على الطريقة التي آمنت بها النساء منذ القدم، وذلك من خلال اقتناء حلي من الذهب. لم تكن رحلة الادخار سهلة، خاصة أن فاطمة أصبحت أرملة وهي في سن الثالثة والعشرين، لتضطر إلى العمل من أجل إعالة أبنائها دون أن تصل يدها للحلي المتواضعة التي حصلت عليها كمهر علها تبقى سندا لما يحمله المستقبل بعد رحيل الزوج. ساهم الأبناء بعد أن اشتد عودهم في اقتناء بيت يضم الأسرة، لكن البيت يبقى الإرث الوحيد الذي ترى الأم أنه يستحق القسمة بين أبنائها على عكس حليها الذهبية التي بدأت اقتنائها قطعة قطعة منذ سنوات، «الحلي من حق ابنتي لأنها كانت سندي في أكثر الأيام قسوة.. لقد فضلت البقاء لجانبي من أجل مساعدتي في تربية أبنائي بدل الزواج.. لم أقنط بعد من رحمة الله فقد ترزق بزوج، لكنها لن تكون أما بعد أن تقدم بها السن، لذا أرى أن الذهب من حقها بدل أن تضعه إحدى زوجات أبنائي ممن رزقهن الله الزوج والولد، في الوقت الذي تسهر ابنتي على راحتي…»
سكينة بنزين.
الأحداث المغربية.
|
|
4286 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|