فقدت أزهار "الياسمين" عبيرها، وبدأت أوراقها تذبل وتتساقط الواحدة تلو الأخرى، بعد أن وجدت منْ يفضل أن يسقيها بالدماء، رغم أن الدماء لا يمكن أن تُنبث تلك "تونس الخضراء" كما تغنى بها فريد أطرش في أغنيته الشهيرة " بساط الريح".
ولا شك أن النموذج الذي أراد أن يدشن له أبناء "ثورة الياسمين"، وأردوا أن يكون قذوة لم يعد يغري أو يجذب أو يفتن، بعد أن بدأ فقهاء الظلام يفتون بالاغتيالات، من أجل إزاحة كل الخصوم الديمقراطيين من ساحة المنافسة السياسية الشريفة وإلقائهم في ساحة الإعدام.
وظهر جليا أن حزب النهضة، الذي عانى من المنع والقمع أيام بنعلي يفضل ممارسة القتل على لغة الحوار، مما يعني أن "الثورة" أصبحت في مهب الريح، وأن الديمقراطية عليها ألف سلام.
وهكذا لم تعد تونس نموذجا لـ "الربيع العربي" كما ظن البعض في البداية، وإنما غذت مثالا سيئا للديمقراطية.
وحتى وإذا هذا كان هذا الكلام لا يعجب الحكومة التونسية، فإن الأكيد أن الكثيرين لا يختلفون مع السفير الفرنسي في تونس، الذي صرّح به، لأنه يجد صداه ( الكلام) في قلوب التونسيين أنفسهم، الذين بدأوا يستشعرون التهديد الحقيقي الذي يحمله نجاح الإسلاميين في الانتخابات.
ولعل النموذج الوحيد المتبقي، والذي يصلح لكي يُقتدى به هو النموذج المغربي، الذي يحميه الملك، ويحصنه الدستور، وتحرسه عيون الشعب، وتراقبه الأحزاب السياسية، غير أن هذه الحماية والحصانة والحراسة والمراقبة تبقي رهينة بتفادي الانزلاقات التي تسير فيها الحكومة " الملتحية"، التي يبدو أنها لا تقدر عاقبة ما تريد أن تتخذه من قرارات تمس القدرة الشرائية للمواطنين أو من مواقف تزايد على مشاعر ارتباط المغرب بالقضية الفلسطينية، وهو ارتباط لا يمكن أن يشوش عليه عرض فيلم أو القيام بمظاهرة أمام باب قاعة للعرض السينمائي كما حدث في طنجة، أو إقامة ضجة لمجرد ظهور بطل دخل في قبلة مع البطلة على شاشة طائرة...
رشيد الانباري.