يبدو أن مفهوم الضحية أو الضحايا كما تحدده القواميس اللغوية، وكما هو متعارف عليه في لغة القانون، قد فقد مضمونه الحقيقي، وتم تغليفه بالكثير من اللبس في ما بات يُعرف بمحاكمة المتهمين في أحداث أكديم إزيك، وهو ما يقتضي وضع النقط على الحروف.
فبعدما تحركت عائلات الضحايا الحقيقيين مطالبة بالقصاص لأبنائها، الذين طالتهم أيادي الغدر في عز تأديتهم للواجب، بدأت عائلات المتهمين تسعى بدورها لإضفاء هذه الصفة على مقترفي كل تلك الجرائم التي خلفت11 قتيلا من بين صفوف قوات الأمن، من ضمنهم عنصر في الوقاية المدنية. وهم عبد المجيد اطرطور – عبد المنعم النشيوي – بدر الدين الطراهي – محمد علي بوعلام – بن الطالب الختيل – ياسين بوقرطاسة – نور الدين ادرهم – وليد ايت علا – محمد نجيح – عالي الزعري – أنس الهواري، كما شهدت الأحداث سقوط 70 جريحا من بين تلك القوات، عدد كبير منهم إصاباتهم بليغة.
غير أن هذه الحيلة لن تنطلي على أحد، لأن الرأي العام الوطني والدولي يعرف بالضبط حقيقة ما جرى، ويعرف تمام المعرفة الفرق بين جثة دركي تعرض للقتل، وانتشى مجرم بالتبول عليها، أمام أنظار العالم، وبين جثة شخص توفي ورفضت أسرته أن تتسلمه من مستودع الأموات.
ويكفي المقارنة بين الصورتين من أجل استجلاء الحقيقة ومعرفة الضحايا الحقيقيين... ما تسميه هذه العائلات "ضحايا" لا علاقة لهم بأحداث مخيم أكديم إزيك، وسعيد دمير مثلا لم يقتل برصاص القوات العمومية حين تدخلت لفك مخيم أكديم إزيك، بل قتل في حادث عرضي حين كان يعاقر الخمر ، وتم نقله إلى قسم المستعجلات بالمستشفى المحلي مولاي الحسن بن المهدي بالعيون، وذلك في 22 دجنبر 2010.
وعند الاستماع إلى المتهم الشرطي جمال تاكرمشة صرح أنه كان يعاقر الخمر رفقة الضحية والمسمى توفيق حبيب وبينما كان الجميع يهم بالخروج من شقته حمل مسدسه وبدأ يحشوه بالخرطوش، نظرا للظروف الأمنية التي كانت تعرفها مدينة العيون آنذاك، إلا أن عدم تحكمه في المسدس بسبب إصابته على مستوى يده اليمنى جعله يضغط بأحد أصابع يده اليسرى على الزناد ليصيب الضحية على مستوى الرأس، مؤكدا أن ذلك كان حادثا ولم تكن النية أبدا في إصابة الضحية، وهي نفس التصريحات التي أكدها الشاهد توفيق حبيب الذي أكد أن الجلسة كانت ودية وأن العلاقة التي كانت تربط الجميع هي علاقة صداقة ولم تكن هناك أية عداوة بين الضحية والمتهم.
الضحية فارق الحياة بعد يومين من دخوله المستشفى وأفاد تقرير التشريح الطبي أن الوفاة كان سببها إصابة الضحية بعيار ناري على مستوى رأسه كما تبين وجود مادتي "ليتيلكورونير" و "ليتلسيفات" وهما مادتان لهما علاقة مباشرة بالمواد الكحولية.
وقد تمت إحالة المتهم على غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالعيون من طرف قاضي التحقيق بنفس المحكمة من أجل جناية الضرب والجرح العمديين باستعمال سلاح ناري المفضي إلى الموت دون نية إحداثه وجنحة السكر العلني البين، وأثناء المحاكمة أكد المتهم والشاهد نفس التصريحات المدلى بها خلال مرحلة البحث التمهيدي ومرحلة التحقيق الإعدادي أصدرت غرفة الجنايات الابتدائية قرارا مؤرخا في 12 أكتوبر 2011 والقاضي بمؤاخذة المتهم من أجل ما نسب إليه والحكم عليه بخمسة عشر (15) سنة سجنا نافذا مع تحميله الصائر مجبرا في الأدنى، وبرد طلب إدخال الغير في الدعوى وطلب إجراء خبرة طبية مع حفظ الطرف المدني، وهو القرار الذي أيدته غرفة الجنايات الاستئنافية بنفس المحكمة، وقد تم الطعن فيه بالنقض من طرف المدعي.
هذا هو الفرق بين الذين تعرضوا للرشق بالحجارة أو الطعن بالخناجر حتى الموت، وبين من مات في حادث عرضي، وصدر حكم بالإدانة في حقه.
الصورة اليوم هي أكثر وضوحا من أي يوم مضى، وليس هناك ضحايا في هذا الطرف وضحايا في الطرف الآخر، هناك شهداء الواجب وهناك مجرمون يمثلون أمام المحكمة، ومهما تم افتعال من ضجيج فإن القضاء سيأخذ مجراه، لأن أي تساهل أو تسامح في مثل هذه الحالة، مهما كانت الضغوط والحسابات، لن يُنتج سوى المزيد من الثكلى والأرامل والأيتام.
رشيد الانباري.