ماذا يمكن أن نسمي ما يحدث في تونس؟ وماذا يمكن أن نسمي ما يحدث في مصر؟ وماذا يمكن أن نسمي ما يحدث في ليبيا؟ وماذا يمكن أن نسمي ما يحدث هنا وهناك في رقَع الربيع العربي المفترى عليه؟
آخر فاجعة هي مقتل معارض تونسي. الأفضل، والأكثر موضوعية، هو أن نسمي الأمر بدون لبوس سياسي، وأن نتفادى الإسقاطات المجانية الفارغة التي تستفز أكثر مما تفيد. مقتل مواطن تونسي وفقط. لا يهم أن يكون معارضا، أو أن يكون مواليا للحكم، أو أن يكون في الوسط. ولا يهم أن يكون علمانيا، ولا أن يكون تقدميا، ولا أن يكون من هنا أو من هناك. الأهم هو أنه أدى الثمن، من روحه، لمجرد أنه صاحب رأي. وهذا هو الخطر.
من يتأمل ما قبل وما بعد هذه الجريمة على أرض تونس، ومن يتأمل “الفتاوى القاتلة” التي تصدر على فضائيات المصريين، سيحمد الله بكل تأكيد لأنه يوجد على أرض تسمى المغرب. بلد، بما لها وما عليها، مسببات الخوف والقلق فيها أقل بكثير من دواعي الاطمئنان والسكينة.
قد تكون عجلة الديمقراطية لدينا أبطأ مما نبتغي. وقد تكون السكة نحو العدالة الاجتماعية مليئة بالصدأ. إنما بالقليل من التروي، والحذر، سنصل لا محالة. والتأخير في الوصول، حتى في الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والكرامة، خير من عدم الوصول.
ما يحدث في رقَع الربيع العربي يؤكد فعلا أن المغرب استثناء. ليس فقط لأنه فتح أوراشا قبل أن ينتبه الجميع، وإنما بكل الدينامية التي يحتضنها. المغرب استثناء بديناميته. بأغلبيته. بمعارضته. بالرافضين الدخول إلى اللعبة السياسية. استثناء حتى بمتطرفيه.
حين أسمع مفتيا على قناة فضائية مصرية يفتي بجواز قتل شخصيات مصرية لأنها تقول لا للرئيس مرسي، أحمد الله لأن واحدا من “متطرفينا” هو الشيخ محمد الفيزازي لا يكف عن التنكيت، ويقول: “ليفام توجور” بدل “ليفام دابور”.
صحيح: علينا أن ننتبه، فبيننا الكثير ممن يمكن أن يكونوا مثل “المفتي” المصري. علينا أن نكون يقظين. إنما علينا أن نكون منصفين أيضا، لأنه ليس عدلا، ولا من مصلحتنا، أن نضع البيض كله في سلة واحدة، أو نقول إنه ليس في القنافذ أملس. بهذا التعميم الظالم المجحف قد ندفع من كان أملسا إلى أن يصير ذات يوم خشنا للغاية، والسبب أننا لم نصدقه، حين أقسم بأنه “أملس”.
أحيانا، بشيء من “اللعب” نصنع الأشباح. وهذا في حد ذاته خطر.