حسام تيسير الخاروف*
لعلّ حال هذه الأمّة، وما آلت إليه، يدعونا أن نجلس مع أنفسنا ساعة من زمن، نستعرض فيها ما يمكننا أن نستعرضه من أحداث وتطورات، شاء الله أن تُمتحن بها أمّتنا الإسلامية، التي تنزف اليوم تلو الآخر، ونحن لازلنا في سبات عميق، لا همّ لنا سوى ملذّات الدنيا، غير عابئين ولا مكترثين بالخطر الذي يحدق بنا، ويهدِّد حتى بقاؤنا في الوجود. ولعلّ من الفطنة – إن وُجدت – أن نتساءل مع أنفسنا: هل ما يجري في العالم اليوم دلالة على نهايته، أم على بداية مرحلة جديدة؟
تُرى، ماذا أبكى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - عندما سمع تلاوة هذه الآية: « فكيف إذا جئنا من كل أمّةٍ بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً؟ » أليس بكاؤه على حال أمتنا هذه الأيام التي تداعت عليها الأمم، كلٌ ينهش من جانب، ونحن كغثاء السيل، نردِّد في كل مناسبة، صغيرة كانت أم كبيرة، بمجد الآباء والأجداد، ونأبى بأن نحذو حذوهم؟!
مبادئ وقيم غرسها رسولنا الكريم - صلوات ربي وسلامه عليه - في أمته حين وصف ما يجب أن تكون عليه لُحمة الأمة كتلاحم الجسد الواحد، والاهتمام بأمر المسلمين، ولكن أصبحت هذه المبادئ مجرد شعارات تُقال وتُكتب، مبتعدة تمام البعد عن التطبيق الذي ينبغي أن يكون في المجتمع الواحد. فما نكاد ننظر إلى أخبار إخواننا المسلمين المستباحة دماؤهم، المبكية أحوالهم، إلا ويضيع الواقع بمتابعة خبر جاء عن السوق الماليّ والمصارف البنكيَّة وما يتعلَّق بأسعار العملات، وتأتينا بعد ذلك أخبار الكرة، وتسجيل الأهداف، والنصر المبين الذي حققه فريق من النوادي الرياضية، في الساحة الخضراء. ونظل في هذا العالم، وقد تناسينا، وما استشعرنا، واقع حال إخواننا في سوريا، وباقي الدول الإسلامية النازفة، في مشارق الأرض ومغاربها، ومدى جُرم الأعمال الوحشية التي تُرتكب في حقهم، من أنواع القتل والتمثيل، والقصف والتدمير، وصنوف الإذلال والتعذيب، والإبادة الجماعية والانتهاك، والتي تصدر من قوم بعدوا كليّةً عن ماهية الإسلام، ونُزعت الرحمة من قلوبهم! ألم يقل الرسول - صلى الله عليه وسلم - "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" ؟!
نرى المجازر التي تُرتكب بحق إخواننا، ونشاهد الأطفال والنساء والشيوخ والرجال الذين مزقتهم شظايا الصواريخ، ولكن، هل تساءلنا يوماً: هؤلاء مَن لهم؟ هل استشعرنا حقاً ذاك الإحساس؟ هل نتصوّر أنَّ هذا الذي نشاهده على شاشات التلفاز ليس في كواليس هوليوود، بل هو واقع حقيقيّ! وأنَّ هذا اللون الأحمر القاني ليس صبغة حمراء اللون، بل دم ذكي حقيقي! وأن هذه الآهات والزفرات، وهذا الصراخ والعويل، ليس من آلات صوتية، بل هو صادر عن إخوان لنا، وأطفال حقيقيين، يتألمون ويتأوهون، ولا يجدون يداً حانية، ولا رعاية صافية، ناهيك على أن تكون كافية!البشرية تنادي أمّة الإسلام لتنقذها من براثن الظلم، وأمتنا لا تستطيع تلبية النداء، فما الذي ألمَّ بها ! أنقص ثقة، أم فقدان منهج؟
أمّة الإسلام.. إن الأقلام عندما تتسطر، والألسن عندما تنطق كلاماً له رصيد، في واقع وحاضر هذه الأمة، تأبى الأُذن المؤمنة إلاّ أن تعيه، وتعطيه قدراً من الأهميَّة؛ لأن الأمر يتعلق بمصير أمّة ستقف يوماً أمام خالقها، مسؤولة عن أفعالها، وما ارتكبته في حق أجيالها.. تلك النفس المؤمنة، التي آمنت بالله ربَّاً، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبياً. تؤمن حق الإيمان، وتتطلع بفارغ الصبر أن المحنة ستزول، وإن طالت - فذلك من عزم الأمور - وأن الأمّة ستنجب بإذن الله، يوماً ما، كما أنجبت في الماضي أولئك الذين أعادوا لهذه الأمّة سيادتها، وكرامتها، فقادوها إلى مراتب العزّة لهذه البشرية.
اخوة الإسلام.. لنجدِّد ثقتنا بخالقنا، وبكتابه، ولنعمل على الحرص على عقيدتنا، فأعداء هذه الأمة عرفوا كيف يدكّوا حصونها من الداخل، فلنعمل بصدق وإخلاص على ترميم حصوننا بسلاح الإيمان الغالب الصادق، وأن نغيّر واقعنا الفاسد لواقع صالح - واقع الإسلام، ونصدق مع الله ليصدقنا، ويبلّغنا ما نسعى إليه من سعادة أمتنا والبشرية جمعاء، في الدنيا والآخرة.
*كاتب فلسطيني مقيم بالسعودية.