|
|
|
|
|
أضيف في 05 فبراير 2013 الساعة 53 : 13
العنف على الساحة المصرية ليس وليد هذه الأيام، فمنذ سقوط نظام مبارك في فبراير 2011 وتسلم المجلس العسكري قيادة البلاد ومن بعده الإخوان المسلمون، شهدت البلاد موجات عنف كبيرة ومواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين، موجات أصبحت تسمى بأسماء المواقع التي جرت فيها كأحداث محمد محمود الأولى والثانية وماسبيرو ومجلس الوزراء ووزارة الداخلية والعباسية ومذبحة بورسعيد وأحداث قصر الاتحادية وغيرها الكثير. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل كل هذا العنف مبرر ومن المسؤول عنه؟ أسباب العنف: المتظاهرون أم النظام؟ بعد أن وضعت الثورة أوزارها بإعلان مبارك تنحيه عن الحكم وتسليم مقاليد السلطة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، أقام المصريون الأفراح وتفاءلوا خيرا بالنظام الانتقالي الجديد واعتبروا إسقاط الدستور القديم وحل مجلسي الشعب والشورى بداية موفقة على طريق تحقيق مطالب الثورة (خبز – حرية – عدالة اجتماعية)، بيد أن سلوك المجلس العسكري في حكم البلاد لم يكن مبشرا بأي خير، بدءا من فرض إعلان دستوري لم يستفت الشعب عليه ومحاولات الإبقاء على مؤسسات الحكم كما هي دون تغيير مكتفيا بالإطاحة ببعض رموز النظام السابق وانتهاء بشن حملات اعتقال وتشويه للمعارضة والمخالفين لسياساته. في لحظة تسلمه السلطة، تعهد المجلس العسكري بتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة في خلال ستة أشهر أي بنهاية شهر سبتمبر 2011، وهو وعد لم يتحقق. وفجرت سياسات المجلس في التلكؤ والمماطلة موجات غضب واحتجاج عارمة خاصة في ظل عجز الحكومة التي شكلها المجلس في مارس 2011 برئاسة عصام شرف عن حل المشاكل السياسية والاقتصادية وظهورها بمظهر التابع للعسكر. عدّ كثير من الخبراء والمحللين الثورة المصرية كثورة سلمية رغم ما تخللها من عنف، وذلك لسببين: الأول، شعار "سلمية سلمية" الذي طبع أيام الاحتجاجات ضد مبارك. والثاني، ضآلة عدد الضحايا الذين سقطوا خلالها (800 قتيل) مقارنة بعدد سكان البلاد البالغ 80 مليونا. ونتيجة لهذه الأسباب ظن كثير من المصريين أن أيام القمع البوليسي قد ولت إلى غير رجعة وأن مفاصل الدولة الأمنية قد وعت درس سقوط جهاز الشرطة في 28 يناير 2011، غير أن المجلس العسكري سرعان ما استبدل جهاز الشرطة المدنية المحطم بجهاز الشرطة العسكرية الذي اصطدم بالمتظاهرين في أول مواجهة والذي قام بفض كثير من المظاهرات والاعتصامات بيد من حديد وباستخدام العصي الكهربائية دائما والرصاص الحي أحيانا. اختفاء الشرطة المدنية لم يكن عبثيا كما ظنه البعض، فبعد عشرة أشهر من الانزواء بعيدا عن الشارع عاد الجنود المتشحون بالسواد أكثر عددا وعدة ورغبة في الانتقام ليفضوا بالقوة اعتصاما دشنه أهالي شهداء الثورة في ميدان التحرير (أيقونة الثورة) صباح يوم 19 نوفمبر 2011 وهو ما أثار حفيظة النشطاء والمعارضين فانطلقت دعواتهم للنزول إلى الميدان ومواجهة العنف المفرط للشرطة، لتبدأ معركة بين الطرفين انتهت بسقوط أكثر من أربعين قتيلا. غير أن وزارة الداخلية المصرية والحكومة كان لهما رأي آخر، فوزير الداخلية آنذاك منصور العيسوى نفى بشكل قاطع استخدام الشرطة للعنف أو القوة المفرطة في مواجهة المتظاهرين وشدد على أن قواته لم تستخدم إلا القنابل المسيلة للدموع لدرء الهجوم الذي تعرضت له. هذا السيناريو، مواجهات محمد محمود، لم يكن الأخير في سلسلة العنف وتلاه مواجهات أخرى على نفس المستوى من العنف أو أشد وكان كل طرف يلقي باللائمة على الطرف الآخر في اندلاع الاشتباكات، وكانت التصريحات النافية لاستخدام العنف من قبل قادة الشرطة تتوالى الواحد وراء الآخر في محاولة منهم لتكذيب الأفلام ومقاطع الفيديو الموثقة لعنف الشرطة والتي ملأت موقع "يوتيوب" ونشرها نشطاء شاركوا في هذه المواجهات. حتى نوفمبر 2012 كان العنف متبادلا بين طرفين اثنين: الشرطة والنشطاء، لكن الوضع تغير فجأة بعد عدة أشهر من وصول الرئيس محمد مرسي (مرشح الإخوان المسلمون) لقصر الاتحادية، ففي هذا الشهر أصدر مرسي إعلانا دستوريا وصفته المعارضة "بالديكتاتوري الاستبدادي" وحشدت أنصارها للاحتجاج عليه ونصبت خياما للاعتصام أمام القصر بعد امتناع الشرطة عن التدخل أمام الأعداد الهائلة للمتظاهرين. صباح اليوم التالي فوجئ المتظاهرون بهجوم من أنصار جماعة الإخوان المسلمون عليهم وإحراق خيامهم فاندلعت إثر ذلك المواجهات بين الطرفين وسقط 7 قتلى. "هجوم الاتحادية" كما يطلق عليه المصريون كشف عن طرف جديد في معادلة العنف، طرف لم تعده المعارضة جديدا على الإطلاق بل اتهمته بأنه الطرف الخفي في كل المواجهات السابقة والذي كان يعمل على تصفية المعارضة والاعتداء على رموزها وهو الطرف الذي يسميه المصريون "الطرف الثالث" في كناية عن كونه مجهولا وغير معروف لأطراف اللعبة السياسية. توسع دائرة العنف لم يقتصر فقط على هذه الأطراف الثلاثة فهناك طرف رابع تتهمه الأطراف الأخرى بأنه المسؤول عن ترويع الشعب في ظل الانفلات الأمني المستمر، وهو "البلطجية" أو الخارجون عن القانون. وهو الطرف الذي يمارس عنفه على كل الساحات في المجتمع المصري والذي يمس عنفه الساحة السياسية عبر استهدافه الناشطات والمتظاهرات تحديدا بالتحرش جنسيا بهن أثناء المظاهرات. نحن الآن بعد عامين من الثورة المصرية، ولم يتوقف بعد نهر الدم المسال فعدد القتلى الذين سقطوا في المواجهات حتى الآن من بعد تنحي مبارك وصل إلى أكثر من 190 شخصا، كما أن التعذيب والعنف الممنهج في أقسام الشرطة لم يتوقف أيضا وهو ما حدا بمنظمة "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" بإصدار تقرير مفصل عن وقائع تعذيب الشرطة للمواطنين في المخافر. البعض يطالب، وخاصة المعارضة، بتحميل النظام ورئيسه – محمد مرسي – المسؤولية عن دماء من سقطوا في المواجهات مع الشرطة من منطلق المساواة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك والذي يقضي حكما بالسجن مدى الحياة لتقصيره في حماية المتظاهرين أثناء الثورة، خاصة وأن الرئيس الجديد المنتخب لم يقم بأية خطوة جدية لتطهير وهيكلة وزارة الداخلية وهو أحد المطالب الأساسية للثورة. الإخوان المسلمون يرفضون تحميل الرئيس أو الحكومة أية مسؤولية ويرون أن الطرف البادئ بالعنف هم المتظاهرون الذين أصبحوا لا يخافون قانونا ولا يخشون سلطة الأيام الماضية كشفت أن دائرة العنف في مصر أصبحت في اتساع مستمر وأن وتيرته تتصاعد بمعدلات مقلقة وأنه ينتشر في محافظات أكثر يوما وراء الآخر، بورسعيد والإسكندرية وكفر الشيخ والغربية والدقهلية، إضافة للمحافظات التي لم يفارقها يوما، القاهرة والسويس. شريحة المتظاهرين بدورها اتسعت رقعتها ولم تعد تقتصر على الناشطين السياسيين بل أصبحت تضم أيضا الغاضبين والمحبطين من الشباب الذين لم يروا تغيرا يذكر في سياسات النظام الجديد أو اختلافا عن سياسات سابقيه في التعامل مع المتظاهرين والمحتجين فقرروا الدفاع عن أنفسهم بأنفسهم وتشكيل مجموعات للدفاع عن النفس (البلاك بلوك). هذه الدائرة المتسعة تنذر بضم شرائح جديدة من المجتمع لم تدل بعد بدلوها كالعمال الذين يصعّدون كل يوم لهجتهم تجاه النظام ولا تزال احتجاجاتهم منحصرة في الإضراب عن العمل. وإضافة للعمال هناك العاطلون عن العمل وعددهم يقدر بالملايين. والخشية كل الخشية أن يتحول الصراع إذن إلى حرب اجتماعية أهلية إذا ما انضمت شرائح أخرى للاحتجاجات وإذا ما قرر النظام الحالي صم آذانه عن سماع الشارع وفضل الاستقواء بأتباعه ومناصريه لحسم الصراع.
حسين عمارة.
تلكسبريس.
|
|
2576 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|