تحدث البعض عن «طه حسن» خلال الفترة القريبة على أنه.. ذلك الطالب الأزهري الذي هاجم الأزهر، ثم هو من شكك فى الشعر الجاهلي، وهو المثقف الذي نسب مصر إلى حضارة البحر المتوسط، وهو الفرعوني.. وهكذا نالوا من فكر عميد الأدب العربي، أو أرادوا ذلك.. فكانت فكرة هذا الكتاب، للكاتب «د.مصطفى عبدا لغنى».
وضح مع الصفحات الأولى من الكتاب، أنه وقفة مع ندوة كبرى حول "طه حسين" فى بداية القرن، شارك فيها الكاتب مع عدد كبير من المفكرين. ومن أولى الأسئلة التي برزت: حيث كان"حسين" يتنقل من موقع إلى آخر أو من حزب إلى آخر.. هل كان دافعه سمة الانتهازية أم هو دور المثقف الذي يبحث عن موضع للتأثير والتفاعل؟
فيما تم التناول من بعد، حول فكرة المثقف الأستاذ أو الموسوعي أو المعلم. وهو النموذج الذي ينتمي إليه "حسين"، بحكم دراسته بالسوربون بفرنسا، وتعرفه على النماذج الأوروبية التي شاعت مع رواج عصر الصناعة، من أمثال: "مونتسكيو" و"روسو" وغيرهما.
وقد نفى الكاتب أية نزعة شوفونية عند طه حسين، حيث كان للكاتب وقفات طويلة مع أوراق وأفكار عميد الأدب العربي، بالتحليل انتهى إلى أنها (اى الأفكار والكتابات) تعكس وعيا ثقافيا متنورا ومتجردا، حيث نرى الثقافة القومية، ولم يكن مصريا قطريا كما ادعى البعض.
بعد تلك الإطلالة التي حرص الكاتب إن يقدم كتابه بها، قسم الكتاب إلى سبعة فصول: "طه حسين" المثقف العالمي- الثقافة بوصفها وعيا قوميا متطورا- "فى الشعر الجاهلي" والراى العام- الثرات العربي فى فكر "طه حسن"- "طه حسين" السياسة والتغيير- تراث طه حسن المثقف والثورة- صعود المثقف وسقوطه.
تفاعل طه حسن مع الحياة الثقافية، منذ عودته من البعثة الدراسية من فرنسا وحتى وفاته، أي من 1919م حتى 1973م. ولعل تلك الفترة شهدت أهم المتغيرات السياسية والاجتماعية فى مصر والعالم العربي. وقد وشت كتاباته عن وعيه الانسانى الممزوج بالوعي البيئي والاجتماعي والتربوي الممزوج بالديني والتاريخي والحضاري. وهو ما ينفى عنه تهمة البعض بأنه قطريا خالصا أو حتى غربيا بحكم ثقافته وعائلته.
حول هذا المحور يؤكد "حسين" انه تأثر بالأدب الفرنسي، كما تأثر بالأدب العربي، ونخلص من رأيه المكتوب: أن الأدب والفن أو الثقافة العالمية كما العلم يجب أن يكون بلا وطن، حيث التمثال المصري الجميل يجب أن يعجب به العربي وغير العربي، وكذلك المقطوعة الموسيقية وبقية الفنون وأشكال الثقافات.ومع تلك الرؤية الواعية فى حينها، والتي قد تبدو الآن مستقرة، شغلته قضايا فكرية هامة، ومرتبطة جذريا بهموم المجتمع ومستقبله، منها: عناصر القومية- مستقبل الثقافة- الوعي التاريخي- التعليم- مهمة المثقف.. وكلها رؤى مستقبلية، كتب فيها وحللها.
وقد أعطى "حسين" للثقافة دورها الهام فى القومية، فالثقافة تمهد للقومية وليس العكس. وقد رصد "عبدالغنى" تطور تلك المقولة.. حيث راجت فى العشرينيات من القرن الماضي، فكرة القومية المصرية، وعلى رأسها "أحمد لطى السيد" الذي هو من أساتذة "حسين"، بينما فى الثلاثينيات، كانت رؤية "حسين" النظر إلى القومية العربية أي تضم القومية الأقطار العربية.. إلا أنه تحفظ بضرورة عدم الإعلان عن ذلك، حتى تنال الأقطار العربية استقلالها، وحتى لا تصبح السياسة عائقا فى مواجهة الفكرة.
وبالفعل، ومع التغيرات المجتمعية، سواء على مستوى الدول العربية، حيث نالت استقلالها (غالبا).. وفى مصر حيث قامت ثورة1952م ورفعت شعار القومية العربية، وهو ما عبر عنه "حسين" فى عام 1957م بضرورة القومية العربية فى المؤتمرات الثقافية.
ويتوقف الكاتب أمام واحدة من أهم المعارك الفكرية التي خاضها طه حسين، معركة كتاب "فى الشعر الجاهلي".صدر الكتاب عام 1926م، حاول فيه الكاتب استخدام المنهج الديكارتي فى الشك، وهو ما وضحه فى المقدمة. وتتلخص فى مقولة "حسين" بالتشكك فى كم ما يقال عنه أنه من الشعر الجاهلي، بينما يرى أنه ليس كذلك.. وإنما هي قصائد منتحلة.
وفى ذلك قال البعض أنه أهان الإسلام، ومع ذلك برأته النيابة بعد التحقيق، وقد سجل رسميا رأيا فكريا لرئيس النيابة العامة: "للمؤلف فضل لا ينكر فى سلوكه طريقا جديدا للبحث، حذا فيه حذو العلماء الغربيين.. وأخذ نفسه بما أخذ عنهم"
ثم كانت الوقفة مع المؤثرات الغربية فى فكر "طه حسن"، رصد الكاتب تحولات "حسين" قبل وبعد سفره إلى فرنسا. فقد كان قبل سفره يأخذ فى نقده للشعر بما كان شائعا، مثل "التشبيه" والاستعارة وخلافه. بينما بعد سفره وعودته إلى مصر، تغيرت أدواته وأسئلته حول القصيدة.
وانعكس فى كافه كتاباته، كما الحال مع دراسته حول "ابن خلدون".. التي بدت نقدية خالصة، حتى قال البعض أنه اهتم بالمنهج على حساب المادة التي يدرسها. وقد تناول الكاتب بعض تلك المؤثرات على رؤية "طه حسين" النقدية. وهى: "الفلسفة الوضعية"، و"العلوم والمفاهيم الدينية، وما يعرف بالجبر التاريخي وهو ما لاحظه البعض على قناعة "حسين" بهذا المفهوم، فى دراسته لابن خلدون.. كما بدا العنصر الاجتماعي من محاور رؤيته أثناء قراءة "ابن خلدون". أما عن تأثره ب"ديكارت"، يبدو جليا فى دراسة "حسين" لابن خلدون.
فيما أفرد الكتاب فصلا مستقلا حول "طه حسين" وعلاقته بالسياسة. فمن المعروف أنه مارس السياسة، حتى تولى حقيبة وزارية (وزارة المعارف- أو التعليم). ومع عنوان الفصل تتضح رؤية الكاتب نحو "حسين" السياسي.. (طه حسين السياسة والتغيير). وهو ما يشير إلى أنه خاض فى ملعب السياسة من أجل المجتمع والتفاعل معه، وانجاز الأفضل.
إن تراث "طه حسين" الثقافي متنوع من حيث الكيف ومتعدد من حيث الكم، فقد أصدر الكتب، وكتب فى الصحف اليومية، وتفاعل سياسيا مع الحياة السياسية فى البلاد.. وهو ما دفع الكاتب (د.مصطفى عبدالغنى) إلى أن يضيف بعض الوثائق والمخطوطات فى ملحق منفصل.
*كاتب مصري