حميد زيد.
كان يا ما كان في سابق العصر والأوان، كان الاتحاد الاشتراكي حزبا ممتلئا عن آخره، لا مكان فيه لمساحة فارغة يمكن شغلها، وكان أي شخص طموح ويرغب في الصعود بسرعة يغض الطرف على فكرة أن يكون اتحاديا، رغم الإغراء الكبير الذي يمنحه هذا الحزب، فقط لأن الاتحاد الاشتراكي كان مملوءا عن آخره ومحجوزا لمناضليه وأطره ونخبه التي لا تعد ولا تحصى، فيختار الشباب وكتعويض أحزابا يسارية صغيرة، تسمح لهم بالعثور على مكان، وسلم الصعود فيها موضوع لمن يريد تسلقه، فيذهبون إلى منظمة العمل الديمقراطي الشعبي أو إلى التقدم والاشتراكية أو يتجذرون في اليسار ويصعدون إلى الجبل، لأن الاتحاد كان مغلقا وأي شخص يتعاطف مع هذا الحزب، كان عليه أن يفعل ذلك من خارجه، بل حتى الجمعيات والمنظمات الموازية كانت تابعة له، وكان يستحيل العثور على موقع قدم فيها، فالاتحاد يحتل كل شيء ويسيطر على كل شيء، وكان المغرب تسيره سلطتان، سلطة الدولة وسلطة الاتحاد الاشتراكي في كل ما هو جمعوي وثقافي ونقابي، وكان دولة موازية داخل الدولة، يلجأ إليها الغاضبون والديمقراطيون والذين يحلمون بمغرب آخر، فيستقرون فيها وتوفر لهم الحماية.
وبعد سنين تطور الاتحاد الاشتراكي، وأصبح بابه مشرعا ومفتوحا عن آخره، ويمكن أن تدخل إليه في أي وقت تشاء، ويمكنك إن أحببت ذلك أن تأخذ معك الوالد والوالدة والأخ والأخت والجار والإبن والإبنة والحارس إذا كنت تتوفر عليه، والقطة التي تربيها، لقد أصبح الاتحاد مضيافا، ويستقبل الجميع ويضمهم، دون تمييز ودون الحاجة إلى أقدمية وشهادة نضال، بل حتى الصحراء التي كان ممنوعا فيها أن تكون اتحاديا بقرار غير مكتوب، أصبحت تضج بالاتحاديين، وصاروا مؤثرين ويأتون بأبنائهم وذريتهم إلى المكتب السياسي.
إلى زمن قريب كان اليوسفي يعتقد أن الدخول إلى الاتحاد الاشتراكي ليس كالخروج منه، وأن الداخل إليه مولود والخارج منه مفقود، فأرض الله واسعة في الخارج، لكنها ليست هي الاتحاد الاشتراكي، في الخارج ومهما كنت مؤثرا ومهما كنت صادقا أنت لا شيء، خرج رفاق الشهداء بكل حماسهم وصاروا حزبا يرى بالمجهر، وخرج الأموي وضيع مجهودا في العثور على مقرات جديدة فصار هو الآخر نسيا منسيا ونقابته شبحا، خرج الساسي وخرج وفاؤه للديمقراطية، وذابوا في حزب أصغر من طموحهم، وخرج أفراد غاضبون ولم يعد لهم أثر.
لم يسلم أحد في الماضي من إغراء وسطوة الاتحاد الاشتراكي، حتى عبد الإله بنكيران يحكى أنه كان اتحاديا، وحتى الراحل المعطي بوعبيد كان في الاتحاد الوطني، وفي أي حزب من الأحزاب التي أطلق عليها الاتحاديون لقب الأحزاب الإدارية يوجد اتحاديون هربوا منه للعثور على مكان وللركوب في المصعد دون انتظار، وهناك اتحاديون في كل مؤسسات الدولة، تركوه بعد أن نفد صبرهم.
الاتحاديون اليوم هم أفراد فقط، لم يعد يضمهم حزب، وهم منذ سنوات في السلطة ومازالوا، وعلى عكس ما يظنه البعض، فإنهم يحكمون أكثر مما يحكم حزب العدالة والتنمية، في كل مكان يوجد اتحادي سابق، لأنهم كانوا الأقدر على استقطاب وتكوين النخب، على عكس من ينجح في الانتخابات الآن، والذين يعانون من ندرة في الكفاءات.
في عدد هذا اليوم من جريدة أخبار اليوم قال محمد الأشعري وزير الثقافة السابق إن الاتحاد الاشتراكي لم يعد موجودا، والذي يعرف فعلا أي نوع من الاتحاديين هو محمد الأشعري، سيتأكد بالملموس أن أرض الله أصبحت واسعة حقيقة وليس رمزا، وأنه سواء دخلت إلى حزب الاتحاد الاشتراكي أو خرجت منه في هذه اللحظة من التاريخ فإن الأمر سيان و لن يفرق كثيرا.