موحى الاطلسي.
لم تنته قصة توريط مؤسسة رئاسة الحكومة في الاعتذار غير المفهوم للبرلماني عبد الصمد الإدريسي حول مزاعم تعرضه للتعنيف من قبل قوات الأمن، حتى خرج هذا الأخير ليكتب عن الحكامة الأمنية قائلا "بعد تناسل التقارير الحقوقية التي تتحدث عن تجاوزات وإفراط في استعمال القوة من طرف القوات العمومية والأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وأمام الغموض الذي يلف عمليات التدخل ومختلف تحركات هاته الأجهزة، وصعوبة تحديد المسؤولية المباشرة عن كل عملية أو تحرك، ومع ما يعرفه تنظيم وهيكلة مختلف الأجهزة الأمنية بالبلاد من غموض وغياب الوضوح، يطرح موضوع الحكامة الأمنية بشكل ملح، خصوصا بعد إقرار الدستور الجديد للمملكة الذي اعتمد مفهوما محوريا و شاملا لمختلف القطاعات والمسؤوليات السياسية والإدارية يقضي بربط المسؤولية بالمحاسبة".
فظروف كتابة المقال تنفي عنه الموضوعية والعلمية لأنه مجرد جواب عن رغبات نفسية وحزبية دفينة. فالإدريسي من جهة يريد أن يدافع عن نفسه ويظهر مظلوميته حيث وجد في بنكيران النصرة ظالما أو مظلوما، رغم أن نصرة الظالم تقتضي رده عن غيه، إلا ان بنكيران اختار أن يسانده في ممارسة تجاوزاته الخطيرة بحق مؤسسة عمومية تقوم بحفظ النظام العام.
ومن جهة أخرى يتقاطع المقال مع توجهات الحزب نحو تمييع المؤسسات الأمنية ونزع قيمتها وتخريب سلطتها، وذلك من خلال ما أسماه الحزب مراقبات وزيارات للمقار الأمنية، ومازالت صورة الرميد ماثلة للأذهان وهو يتباكى على ما كان يسمى معتقل تمارة السري الذي اكتشف البرلمانيون والوكيل العام للملك بالرباط أنها مجرد مكاتب إدارية.
فرواية الإدريسي أصبحت محط شبهة بعد أن ادعى أن رجال الأمن اعتدوا عليه بساحة البريد، وبعد مراجعات عديدة للفيديو الذي يصور الحادثة تبين أن البرلماني الإسلامي والحقوقي هو من استعمل قاموس "قاع الخابية" ليسب ويشتم رجال الأمن، ويصفهم بـ"السرّاح" وبأن الضابط الذي يقودهم لا يتوفر حتى على الباكالوريا، فلا يمكن إذن تصديقه في أي شيء.
عندما يتحدث عبد الصمد الإدريسي عن الأجهزة الأمنية فكأنما يتحدث عن كائنات خرافية وليس مؤسسات تابعة للحكومة كل من موقعه، فالمؤسسة الأمنية تابعة لرئاسة الحكومة، ورئيس الحكومة عضو بقوة الدستور في المجلس الأعلى للأمن، وهو مكلف بالأمن القومي كمفهوم أعلى من الأمن الوطني، لكن بنكيران ومن معه يغامرون بالأمنيْن معا.
والطريقة التي يطرح بها الإدريسي مفهومه للأمن تعني اللاأمن والفوضى، وتعني مؤسسات مهزوزة، ولا يمكن للمؤسسات الأمنية كما هو موجود في العالم أن تعمل في انفضاح تام كما يطالب العدالة والتنمية بذلك، فالشفافية لا تعني أن تصبح الملفات مفروشة في الشارع أو في متناول بائعي "الزريعة".
لكن بعد الاعتذار المغشوش ظهر للعيان أن بنكيران و إخوانه يريدون التنصل من مسؤولياتهم تجاه المؤسسات الأمنية باعتبارها تابعة قانونيا وعمليا للحكومة وذلك بهدف تمييع عملها إيمانا منهم بالفوضى لأن الاستقرار لا يخدم أهداف الحركات الإسلامية.