إنه التنوع الثقافي الذي تزخر به المملكة المغربية الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ يأتي موسم الشموع بطقوسه و احتفاليته ليؤكد هذه الحقيقة، و يدخل ضمن هذا الموروث الأصيل لمدينة سلا الواقعة بالضفة الأخرى من نهر أبي رقراق الذي يخترق العاصمة الرباط موسم الشموع يعد أولا قبل كل شيء حفلا دينيا احتفاء بالولي عبدالله بن حسون و هو احد الأعلام المبرزين في عصره علما وفضلا وتصوفا وتربية وسلوكا. وقد جمع بين العلوم الفقهية والصوفية حتى أصبح قطبا من أقطاب الطريقة الشاذلية، هذا الاحتفال الذي ينظم بمدينة سلا احتفاء بالمولد النبوي الشريف،و يعد تقليدا عريقا دأبت المدينة على تنظيمه كل سنة. و قد كان أول استعراض للشموع سنة 986 هـ وذلك بمدينة سلا في عهد دولة السعديين بعدما أعجب به الملك أحمد المنصور الذهبي خلال زياراته التي قام بها إلى إسنطبول عاصمة الأتراك، فأراد أن ينقله إلى المغرب و هذا ما يؤكد على عراقة الحوار بين الحضارات والثقافات التي تشربها المغرب منذ القديم و دأب عليها إلى اليوم حيث استمر في عهد الدولة العلوية.
يعد موسم الشموع مهرجانا متميزا في نوعه يجمع بين الحس الفني و الجمالي ،و الإسلام المنفتح و الحضاري الذي يمنح السكينة والطمأنينة.انه كرنفال حيث يجوب الشوارع رجال حاملين على أجسادهم شموعا ضخمة عبارة عن هياكل خشبية كبيرة مزينة بالشمع الملون التي تتشكل بأزهار من الشموع، غير العادية ليست كتلك المخصصة للإنارة، و ذات الألوان المتنوعة التي تتراوح الوانها الرائعة بين أبيض وأحمر وأخضر وأصفر،أيضا زخرفتها الجميلة تنهل من الأشكال و الزخارف الإسلامية و تميزها يكمن كذلك في وزنها الذي يتراوح ما بين 15 و 50 كلغ و التي يصل طولها إلى مترين أو أكثر.
هذه الطقوس الاحتفالية تستقطب حضور واسع من المتفرجين و السياح الذين يأتون من كل جميع مناطق المغرب و خارجه للاستمتاع، فالمدينة حيوية و بشوشة و مرحبة بضيوفها و تقدم لهم كل الأطباق الفنية و الثقافية الأصيلة و ما "قرية الفنون" المعروفة بصناعات وحرف و منها صناعة الخزف إلا اكبر دليل على هذا التنوع الثقافي الذي يجذب الوافدين لاكتشاف هذا المخزون الفريد و الرائع.
السلاويين نسبة إلى مدينة سلا يتمتعون بحس فني و جمالي كبير انعكس في صناعتهم لشموع المهرجان و إبداعهم لقوالب فنية جميلة و متنوعة في الألوان،هذا التفرد في الإبداع نراه في مساجد المدينة التاريخية وبيوتها ومعالمها العمرانية البارزة بالنقوش الرائعة والفسيفساء الملونة والزخرفة المرمرية التي تتميز بها سلا.من هنا نطمح إلى المحافظة على هذه الثقافة و التراث الإنساني اللامادي و إدماجه ضمن لائحة المدن والمواقع القديمة المصنفة عالميا، هذه المدينة التي ظلت محافظة على هذا الموعد السنوي مع طقوسه الثقافية والدينية والشعبية الخاصة و على زخمها التاريخي الرائع سوف تبقى حية في الذاكرة الشعبية للمدينة و المغرب.