يلف الكثير من الغموض فهم بعض هواة " السياسة" الذين ألقت بهم صناديق الاقتراع، على حين غرة، إلى هذا المعترك، بدون مقدمات، لدور المؤسسات والأجهزة، بما في ذلك دور البرلماني، الذي يوفر له الدستور فضاء شاسعا للتعبير عن الرأي تحت قبة البرلمان لا في الشارع العام، كما فعل السيد عبد الصمد الإدريسي، الذي دفع به جهله لهذه الأبجديات أن يتدخل في دور ومهام القوة العمومية والسلطة المحلية حين كانت تمارس مهامها في تفريق مظاهرة غير مرخص لها، وتتصدى لأشخاص ألقوا عليها الحجارة.
في هذه الحالة يتحمل السيد النائب المسؤولية، لأنه تدخل في مهام جهاز، من حقه أن ينتقده تحت سقف المجلس الذي يرأسه كريم غلاب، لا في الشارع وأمام الرأي العام، إذا ما رأت فراسته أن هناك خروجا عن الحكامة الأمنية.
في كل بلدان العالم ينظم القانون الحق في التظاهر والاحتجاج، ويُلزم من يريد أن يمارس هذا الحق بتقديم تصريح مسبق للسلطات المعنية التي تمتلك وحدها صلاحية الموافقة أو الرفض. وحين تقرر هذه السلطات المنع، وفق ما توفر لديها من معطيات أمنية أساسا، فإن على المتظاهرين أن يتحملوا عواقب ما قد ينتج عن إصرارهم الخروج عن القوانين الجاري بها العمل، تماما كما على المضربين أن يتحملوا تبعات الانقطاع عن العمل من أجورهم في نهاية كل شهر، وهو الإجراء الذي فعّلته ودافعت عنه حكومة حزب العدالة والتنمية، التي ينتمي إليه السيد النائب المحترم، من حسن الحظ، رغم صرخات الاحتجاج الكثيرة التي أطلقتها المركزيات النقابية للتعبير عن رفض هذا القرار.
وفي كلتا الحالتين على المتظاهر في الشارع العام أو المضرب عن العمل أن يتحمل نتائج " التضحية" إذا ما كان مقتنعا بالفعل أن ما يقوم به يدخل في صميم ممارسته لحقوقه، فكما أن هناك أخطار المهنة هناك أيضا أخطار المغامرة، لأنه في الحالة الأولى تتم عرقلة السير العادي لحياة الناس وفي الحالة الثانية يتم تعطيل مصالحهم.
طبعا ما تقوم به الأجهزة الأمنية للحفاظ على الأمن العام يخضع للمراقبة، وهو موضوع تقارير يومية وإحصائيات، وميزانية هذه الأجهزة تناقش في البرلمان، و عملها تنظمه ظهائر منشورة في الجريدة الرسمية ومتوفرة كنصوص أعيد طبعها من طرف مجلات متخصصة في المكتبات، والقرار الأمني لا يتم ترتيبه في غرفة مغلقة بل تمليه اللحظة والظروف والمعطيات، لأن لكل حادث حديث كما في كل بقاع العالم، هذه هي الحكامة الأمنية، أما تدخل أي كان في عمل هذه الأجهزة، بصفته برلمانيا أو قياديا في جمعية حقوقية أو مناضلا في حزب سياسي فيندرج في باب الفضول والتطفل.
رشيد الانباري.