عبد الرحمان الأزهري.
أوردت بعض المنابر الإعلامية في الأيام الأخيرة خبرا عجيبا مفاده أن رئاسة الحكومة قد "اهتدت" إلى إيجاد تسوية لقضية البرلماني الإدريسي، تتجسد في إعداد بلاغ باسم السلطة التنفيذية بقيادة عبد الإله بنكيران، وبصفته أيضا أمينا عاما للحزب نفسه الذي ينتمي إليه البرلماني الإدريسي، بغية الاعتذار باسم الحكومة للبرلماني " المعنف من طرف قوات الأمن".
موضع الغرابة في هذا الخبر، إن كان صحيحا أصلا، تكمن في كونه يعتبر سابقة خطيرة ليس لها من أساس قانوني و لا أخلاقي، سوى كونها نتيجة لحسابات سياسوية و شعبوية ضيقة. إنه لأمر يكاد يعتبر مسا من الجنون: كيف يعقل أن تقدم الحكومة اعتذارا لبرلماني، و أن يتخذ وزير الداخلية موقفا سلبيا تجاه رجال الأمن الذين هم تحت إمرته و يدعن لضغوطات برلمانيي حزب حليف في الحكومة عوض أن يقف موقفا حازما للدفاع عن الساهرين على أمن المواطنين. أليس من الأجدر بوزير الداخلية أن يتجاوز الحسابات الحزبية الضيقة، و الرؤى السياسوية قصيرة المدى التي لا تأخد بالحسبان سوى الحفاظ على التحالف الحكومي بغض النظر عن مبادئ المسؤولية و سيادة القانون؟
لقد نجح النائب المحترم في أن يقدم نفسه للصحافة و الرأي العام على أنه ضحية، في حين أن الضحية الحقيقية، و بشهادة كل من حظر الواقعة بساحة البريد، هم كل رجال الشرطة الذين تعرضوا للتجريح و السب من طرف أحد نواب الأمة.
لقد كان من الأجدر أن يكون الاعتذار من جانب ذلك البرلماني الذي تجاوز صلاحياته و مهامه و حاول منع رجال الأمن من القيام بواجبهم في الشارع العام، و كال لهم سيلا من الإهانات بحسب كل من حظر تلك الواقعة، و بإمكان أي كان أن يعاين ذلك بالصوت و الصورة على موقع يوتيوب، كما أكد العديد من شهود العيان، أن الادريسي كان يحرض المتظاهرين على مواجهة قوات الأمن و المرور بالقوة نحو بوابة البرلمان، و أنه بعد أن طلب منه الكف عن ذلك و الانصراف من عين المكان، كال لهم سيلا من الإهانات من قبيل أنهم أميون و همجيون، منعدموا الشواهد الدراسية و التكوين.
إذا كان الكل يعلم أن دور البرلماني و مهامه تتمثل في تمثيل الأمة و الدفاع عن مطالبها داخل قبة البرلمان، لا أن يخرج إلى الشارع و يتدخل في عمل رجل الأمن بالشارع العام، فإنه من الأجدر بالحكومة و البرلمان أن تطالبا بنزع الحصانة عن هذا البرلماني الذي يعتبر نفسه فوق الدستور و القانون و يحرض المتظاهرين على العصيان، و يسب القوات العمومية أثناء تأديتهم لمهامهم، و يحط من قدرهم.
و إن كانت للسيد البرلماني المحترم أي مؤاخدات على طريقة عمل رجال الأمن، فإنه كان يجدر به طرحها داخل البرلمان أو حتى أن يتخذ منها موقفا مستنكرا عبر جريدة حزبه أو حتى على صفحات جرائد المعارضة مادام قد اختلط الحابل بالنابل و لم نعد نفرق بين أغلبية و معارضة. لكن الواقع أن البرلماني الإدريسي، بالرغم من انتمائه للحزب الذي يقود الحكومة، فانه لم يتخل عن عقلية المعارضة من أجل المعارضة و اعتبار رجال الأمن أعدائه، في حين أنهم هم من يسهر ليل نهار، حرا و بردا، على أمنه و طمأنينته، براتب لا يبلغ عشر ما يتقاضاه هو من أجل نومه تحت قبة البرلمان.
موقف هذا البرلماني ما هو في واقع الأمر سوى تجسيد للشيزوفرينيا التي تميز الحزب الذي يقود الحكومة. فهو كالثعبان ثنائي الرأس الذي، بالرغم من قيادته للأغلبية، لا يقدر على الاستغناء عن لعب دور المعارضة و تحريض برلمانييه على الشغب من حين لأخر.