كنت قد قرأت مقالا قديما للمبدع الراحل “جلال عامر” بتاريخ 31 أكتوبر 2011 فى إحدى الصحف المصرية كان بعنوان ” تربيزة كابتن سيد” يقول فى جزء منها : أهل بحرى يعرفون كابتن «سيد» الذى كان يفرش فى الشارع ترابيزة «بنج بونج» يلعب عليها الأطفال مثلى، وعندما تخانق مع أحد الفتوات ضرب له «الترابيزة» وأوقعها، فسأله كابتن «سيد» ببراءة: «هية الخناقة معايا أنا ولا مع الترابيزة؟».
تذكرت هذا المقال و أنا أتابع كل ما يحدث ويدور ألان على أرض مصر ، لقد كتب الاستاذ جلال عامر مقاله حينما كان المصرى يذهب لقطع خط سكة حديد أو يعطل طريق ليجبر الحكومة أو المجلس العسكرى وقتها للانصياع لمطالبه ، تلك المطالب التى كثيرا ما كان يغلب عليها الطابع الفئوى ، صحيح أن المطالب الفئوية فى أغلبها مشروعة و بعضها يقتدى حلولا عاجلة ، لكن هذا لا يمنح أحداً مبررا أن يعطل حياة الغير ومصالحهم من أجل تحقيق غايته.
مرت الأيام و رحل صاحب المقال و رحل المجلس العسكرى ، لكن ظلت المطالب و ظلت الاعتصامات تتكرر و يتكاثر قطع الطرق ، وزاد الأمر سوءا عندما صارت الحرائق أمراً معتادا وخاصة حرائق المبانى الحكومية .. و سقوط عقارات الاسكندرية حدث إسبوعى يترقبه الجميع تزامناً مع تصادم قطارين هنا أو حادث على المزلقان هناك ، وباتت الدولة التى كانت تطمح الى بناء مبانى حديثة وشق طرقات جديدة تغزو بها الصحارى و تجلب بها الاستثمار .. باتت مطالبة بترميم ما يتلفه أبنائها كل يوم ، وصارت أموال البناء أموال تعويضات وترميم واصلاحات !
أحد أجمل العبارات التى شاهدتها مكتوبة و سمعتها فى هتافات التحرير إبان الثورة ” اللى يحب مصر .. ميخربش مصر ” ، لكن مع مرور الوقت ننسى الشعارات و تأخذنا حماسة الهدم والحرق فتفقدنا صوابنا دون إدراك أن ندم الغد أسوأ من حرق اليوم ، جميل أن نجعل الختام جزء آخر من مقال الكاتب جلال عامر: ( كنت طفلاً لا أملك عقول الكبار، ومع ذلك عندما كان يغضبنى كابتن سيد كنت أشتمه وأجرى دون أن أقترب من الترابيزة، لأنها المكان الذى أمارس فيه هوايتى ويأكل منه «سيد» عيش، فماذا حدث لعقول الكبار؟! ، كابتن سيد لا يملك إلا ترابيزة واحدة، والمصرى لا يملك إلا وطناً واحداً ) ، فمتى ندرك اننا نحرق ونهدم فى الوطن الذى يؤوينا ، والذى نحن مطالبين أساسا ببنائه و ليس هدمه ، وأن المعارك السياسية بين الأحزاب والقوى والفصائل لا يجب أن تمتد آثارها لتحرق الوطن و مؤسساته ، فسقوط الوطن يعنى سقوط الجميع.