توحدت كل خطوط الجبهة " السلفية الجهادية" و " الوهابية" و " الإخوان المسلمين" والجماعات المحظورة ( العدل والإحسان) وغير المحظورة ( التوحيد والإصلاح) والأحزاب التي تعمل خارج الشرعية القانونية ( حزب التحرير الإسلامي في المغرب) من أجل أن تقف وقفة رجل واحد للتنديد واستنكار التدخل العسكري الفرنسي في مالي، وتكفير من يسانده أو يلتزم الصمت، إعمالا للمثل العربي " الصمت حكمة"، وأصدرت بيانات نارية بالتتابع، تُجمع كلها على إدانة هذه الحرب، التي ستقلم أظافر الحركات الجهادية ( تنظيم القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي)، لأن طموحهم وهدفهم، جميعا، كما لا يخفى على أحد، هو إقامة " دولة الخلافة".
ولا أحد من أعضاء هذه الجبهة سارع، من قبل، إلى إدانة عملية التقتيل التي مارستها هذه "الحركات الجهادية" بعد أن بسطت نفوذها على مناطق شاسعة في شمال مالي، ولا استنكار تصوير مشهد إعدام امرأة رجما بالحجارة، وبث مقاطع من ذلك على " اليوتوب"، باسم تطبيق الشريعة، ولا أحد تضامن مع عشرات الآلاف من اللاجئين الماليين، الذين خُربت ديارهم بغير حق، وقاموا بفرار جماعي نحو دول الجوار، ولا أحد تأسف للتخريب الذي طال مئات المآثر التاريخية في تامبوكتو ...
ولا أحد من أعضاء هذه الجبهة، اهتزت فيه شعرة لكل هذه الجرائم المروعة، التي اقترفها هؤلاء في حق الشعب المالي، وصورة الدين الإسلامي الحنيف، والحضارات التي تعاقبت على عاصمة ( تامباكتو) التي كانت مركزا ثقافيا ومعبرا للقوافل التجارية في عمق الصحراء.
اليوم تأخذ هذه العصابة العزة بالنفس، لأنهم لا يريدون أن يروا الفلول التي يعقدون الأمل عليها في إقامة دولة "الخلافة" من المحيط إلى الخليج تُمْحق تحت قصف القنابل، ومع كل قصف و تقدم للقوات الفرنسية والقوات النظامية المالية، يصغر الأمل الذي راهنوا عليه، ولا غرابة بعد ذلك أن يصدروا البلاغات التي تترجم درجة المرارة التي يشعرون بها بعد أن وافق مجلس الأمن، الذي يرأسه المغرب حاليا، على إرسال قوات إفريقية لهذا البلد، وبعد أن وافقت دول المنطقة، التي ليست في منأى عن الخطر الإرهابي على فتح أجواءها للمقاتلات الفرنسية لعدة أسباب:
أولا: أن هذه الحركات "الجهادية" تستقطب شباب هذه البلدان، المتشبع بفكر القاعدة، وتستعمله في هذه الحرب من أجل أن يكتسب الدراية الكاملة التي تأهله للقيام بأعمال إرهابية، إذا نجا من الموت، وعاد إلى بلده الأم سالما أي أنها ( الجماعات) تعمل على تكثير بذور الإرهاب وتخصيبها كي تزرعها في المنطقة ككل.
ثانيا: أن هذه الحركات تستعين بخبرة " مرتزقة" البوليساريو، وتراهن على هذا الجسم الغريب الذي نما في الجنوب الشرقي للجزائر لهدف واحد و وحيد هو معاكسة الوحدة الترابية للمغرب. وها هي أصابع الاتهام والشكوك تكبر حول تورط أحد عناصر البوليساريو في مجزرة عين أميناس، لتبدأ الجزائر بذلك في جني ثمار احتضان منظمة يتأكد يوم بعد يوم أنها ذات طابع إرهابي.
ثالثا: أن العالم المعاصر يحتكم إلى القوانين، والتي تسمو عن أي تشريع آخر، وبالتالي فإن المنظومة الدولية، تعترف بالأنظمة التي أفرزتها صناديق الاقتراع، وتم تنصيبها انطلاقا من إرادة الشعوب، لا الحركات التي تسعى إلى الحكم بقوة الحديد والنار.
رشيد الانباري.