عبد العزيز أفتاتي لا يحب القبلات الساخنة أثناء رحلات الطيران الطويلة أو المتوسطة. الزعيم غير المتوج للجهة الشرقية بالنسبة للبيجيدي، تزعم مظاهرة سماوية لمنع أبطال فيلم من تقبيل بعضهم البعض أثناء مشاهدة عبد العزيز لهم. كيف ذلك؟
الحكاية بسيطة للغاية، وقد تناقلت الصحافة أطوارها وهي تتعلق بغضبة أفتاتية على شركة للطيران كانت تقل وفدا من العدالة والتنمية من مصر إلى المغرب، ولم تجد ما تسلي به القوم سوى أن تبث لهم فيلما يتضمن قبلات ساخنة، وهو ما أثار غضب أفتاتي ورفاقه، ودفعهم إلى التهديد والوعيد، بل والمطالبة بنزول الطائرة في أقرب مطار إذا تشبث ربان النفاثة وطاقمها بإنهاء الفيلم حتى ختامه للمشاهدين.
عندما نقول قبلات ساخنة، فنحن طبعا نعتمد على رواية أفتاتي حول الموضوع، إذ يصعب بالفعل أن نتصور أن شركة للطيران ستضع فيلما إباحيا، أو فيلما موجها للكبار في رحلة عامة مشتركة بين عدد كبير من الناس. والمفترض هو أن عبد العزيز الذي لا يشاهد السينما كثيرا، لكنه ينتقدها باستمرار، اعتبر مشهدا عاديا لقبلة خفيفة أو عابرة أو ربما “من الحنك”، قبلة ساخنة وجب إسقاط الطائرة بمن فيها من أجلها، وهو أمر يدخل في إطار الجهاد المحمود إن شاء الله، والمأجور صاحبه لأنه أراد به وجه الله تعالى بكل تأكيد.
كيف علمنا أنه أراد به وجه الله تعالى، ولم يشأ الفرقعة الإعلامية، ولم يحرص على أن ينقل النبأ للعادي والبادي فور النزول إلى أرض الوطن؟
في الحقيقة لا جواب لدينا، لكننا نتصور أن من يسعى إلى قيادة مظاهرة في السماء ضد فيلم بسبب تضمن هذا الأخير للقطات “فاحشة”، لن يقوم بهذا الأمر فقط من أجل الإشهار والفرقعة في صفحات الجرائد _مثلما نفعل له نحن الآن_ لكنه سيكون بالتأكيد صاحب مبدأ وهدف أكبر.
بعض مرتادي الطائرات باستمرار قالوا إنهم يعرفون نوعين من أنواع الفرجة أثناء الطيران: الأول يعتمد البث عبر شاشة موضوعة أعلى الممر، وهنا كان ممكنا لعبد العزيز ومن معه أن يغضوا البصر ويكتفوا، ونوع ثان يضع شاشات أمام المقعد المخصص لكل راكب، وهنا أيضا كان ممكنا لعبد العزيز والرفقة الطيبة أن يقفلوا الجهاز، وأن “يتصنتوا على عظامهم” إلى أن تصل الطائرة إلى مينائها الجوي سالمة غانمة إن شاء الله.
لذلك تبدو الحكاية غير مفهومة كثيرا، والخوف الآن بعد الفرقعة الإعلامية، هو من أن تصل الرواية إلى البرلمان، وأن يتهم عبد العزيز والطاقم شركة الطيران التي أقلتهم من مصر إلى المغرب بأنها تبث الأفلام الإباحية أو الأفلام الساخنة على الأقل، وأن مسؤوليها مطالبون بالمثول أمام عدالة هذا البلد, مثلما يمثل أمامها اليوم من يروجون لأشرطة الجنس في الفيسبوك أو اليوتوب، وحينها سنكون أمام إشكال فعلي وحقيقي ينسينا هاته الطريقة الغريبة في الاحتجاج سماويا على فيلم لم يرق للأنصار والمهاجرين من المغرب وإليه على الدوام.
ومع ذلك علينا أن نعترف أن الأمر طريف، وأن عبد العزيز و”الدراري” وجدوا طريقة رائعة لانتقاد الأفلام على الجميع أن يسلكها من الآن فصاعدا، وهي تقوم على التهديد بإنزال الطائرة أو ما نسميه بدارجتنا الجميلة “تطياح الطيارة” حين لا يروق أمر ما للمرء.
المشكل هو أن “الطيارة طايحة من شحال هادي”، والواضح هو أن ثمة عسرا فعليا في البلد في العثور على أمر جدي من أجل مناقشته، لذلك نتوقف عند مثل هاته “التفاتف” الصغيرة من أجل أن نرى فيها الدليل على الموقع الذي وصلناه بين الأمم اليوم، ولكي نتأكد أن الرحلة طويلة جدا _ طول السفرية التي اضطر فيها عبد العزيز ومن معه إلى مشاهدة كل تلك القبلات الساخنة_ نحو العالم المتقدم الذي انتهى من الوقوف عند هاته الأمور، وتخلص من عقد جسده الكثيرة، وانطلق نحو أشياء أخرى أهم بالتأكيد.
تبقى نقطة صغيرة في الختام, لها طابع بيولوجي بحت _ ولا حياء في الدين على كل حال _ وهي تتعلق بالاستثارة التي حققتها هاته القبل السماوية للوفد المغربي والتي دفعته إلى كل هذا الاحتجاج. ونتصور هنا أن الاستثارة كانت قوية، وإلا لما وصل الطلب حد التهديد”بالإنزال” في أقرب مطار, مثلما نتخيل أن الوفد سيكون قد وصل إلى المغرب في كامل لياقته البدنية بعد كل هذا الجهاد، وأن القبلات الساخنة أدت مهمتها وزيادة على متن الطائرة, وأيضا مباشرة بعد النزول.
لكن كيف السبيل إلى التأكد من الأمر بشكل لا يقبل أي نقاش؟
هنا بكا فويتح الله يرحمو، وما علينا إذا كنا متشبثين بمعرفة النهاية إلا انتظار فرقعة إعلامية أخرى، لكي نعرف كيف انتهت استثارة بدأت في السماء، والله وحده يعلم علام رست في الختام فوق سطح الأرض.