ينبغي رفع هذا اللبس الذي يروج له السلفيون المغاربة بنية خلق واقع إيديولوجي غير مطابق للحقيقة السياسية، ما يحدث في الساحل ليس حربا على مالي، إنما حربا على الإرهاب فوق التراب المالي.
ومن الضروري أيضا التأكيد على أن المعارك التي تخوضها القوات الفرنسية بدعم عربي وإفريقي وغطاء أممي، ليس حربا صليبية جديدة، ولا مواجهة بين الإسلام والكفار، ولا حربا على دين الإسلام… إنها بكل البساطة الممكنة موقف صارم للضمير العالمي ضد الإرهاب والتطرف المسيء للإسلام والمسلمين.
وبعد هذا وذاك، ها قد اختار السلفيون المغاربة موقعهم من جديد، فبكل طواعية ومن دون إكراه، اختاروا، إيديولوجيا، أن يكونوا في صف الإسلام الجهادي الدموي، وسياسيا أن يتموقعوا ضد أمن واستقرار بلدهم هم الأدرى بحجم الإرتباطات الوثيقة بين تنظيمات الإرهاب في الساحل وبين مقاتلي البوليساريو في تندوف.
ومما لا يقل أهمية وخطورة في هذه التوضيحات الذاتية التي اختار شيوخ السلفية المغربية تقديمها لنا في زمن الحرب على الإرهاب في مالي، تلك التي تفيد أنهم مازالوا يعتنقون ذات العقلية الأصولية، تلك التي تعطي نفسها الحق في أن تكفر الناس مع ما يتبع ذلك بالنتيجة من هدر دمائهم. فحين فتحت بلادهم أجواءها في وجه المقاتلات الفرنسية وقدمت دعمها السياسي للحكومة الشرعية في باماكو، قالوا إن «هذا كفر»، وهم في الحقيقة يقرون بأن عقيدة التكفير ما تزال منهجهم في تدبير الإختلاف مع الآخر.
في لحظة من لحظات الأمل المغربي، بدأ يسود الإعتقاد بأن رموز التيار السلفي يقودون قواعدهم عبر قوارب المراجعات العقائدية نحو ضفاف إيديولوجية جديدة أكثر اعتدالا وابتعادا عن الإشادة بالإرهاب واعتناق عقيدة الدم والتكفير، لكن ذاك الأمل بدا اليوم كحبل كذب قصير كشفت ظلماته نيران الحرب على الإرهاب في مالي.