لم يكن الفن في يوم من الأيام تمييعا، ولا احترام القانون تضبيعا، ولا الطاعة تركيعا، ولا الشعب قطيعا، كما يتوهم البعض أو يصر على ذلك إصرارا، بالرغم من افتقاره للقدرة على الاستدلال، واكتفائه بالسطحية في الطرح والتحليل والتعليل.
أولا: الفن ليس تمييعا، بل إبداع وخلق، وبالتالي لا يُقرأ الفن من خلال ظاهره الذي قد يكون تمايلا أو رقصا أو تصفيقا وترديدا، وإنما من خلال الأثر الوجداني الذي يتركه لدى المتلقي، والبعد الإنساني الذي يحركه داخله، والتطهير الذي يخلقه في النفس، وبالتالي فإن الفن هو أداة لتحرير الإنسان من المشاعر الخوف والحقد والكراهية والضغينة والحسد للحفاظ على الفطرة والطهارة التي خلقه الله سبحانه وتعالى بها، إلا أنها تتعرض للتلوث تحت ضغط الحياة اليومية، من ثمة الحاجة إلى الفن من أجل صيانة هذه الفطرة والطهارة.
ثانيا: يقول المغاربة " لي خاف انجا"، وفي الفلسفة: " كل فضيلة تتواجد بين رذيلتين"، فالشجاعة فضيلة لكنها تتواجد بين رذيلتي الجبن والتهور.
هناك قوانين تقوم على أحكام النص ( القرآن والسنة) أو مستمدة منها، وقوانين وضعية سنها الإنسان، وكل ذلك من أجل الاحتكام إليها، واعتمادها أساسا لتنظيم العلاقات بين الدولة والمجتمع وبين الناس والناس.
وترسم هذه القوانين الحدود بين الحلال والحرام، فـ " الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما أمور متشابهة، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى مال يصيبه أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".
التنظيم ليس تضبيعا، لأن التضبيع الحقيقي هو الذي تمارسه جماعات الإسلام السياسي على أتباعها، فيتحولون إلى أشخاص مسلوبي الإرادة يعتقدون ببركة الشيخ، ويمشون حبوا من أجل تقبيل قديمه، ويتمسحون بتلابيبه، وينساقون وراء الرؤى الكاذبة والخرافات.
ثالثا: الركوع تلقائي أما التركيع فبالقوة والإرغام، ولم يسعى أحد في المغرب إلى تركيع عبدالسلام ياسين رحمه الله، بل ظل أسيرا لاختياراته، يمارس أبشع أنواع التركيع على منْ صدقوا خرافاته، واعتقدوا أنها قابلة للتحقق.
التركيع هو فرض إقامة الحراسة على قبر الشيخ، على الأتباع بالتناوب، ليل نهار ، وكأن الجماعة تخشى أن تنهش جثته "الضباع".
هذا هو التركيع الحقيقي.
رابعا: هكذا يتحول الأتباع إلى مجرد قطيع ينفذ الأوامر، بطاعة عمياء...