الشيوخ أرادوا أن يدلوا بدلوهم في قضية بعيدة عنهم، وأن يحشروا أنفسهم في ما لا يعنيهم، وركبوا على فتح المغرب لأجوائه الجوية أمام الطائرات العسكرية الفرنسية من أجل إعادة النظام، والقضاء على بؤرة الإرهاب التي تنمو كبقعة زيت في شمال مالي، بعدما وجدت في الشباب المتشبع بفكر القاعدة ( ومنهم مغاربة) أجساد مستعدة للانتحار ( الذي يسميه البعض استشهادا)، وفي " الثورة الليبية" خزانا للأسلحة، وفي "البوليساريو" منظمة إرهابية لتجنيد المرتزقة، وتأمين عبور المجندين، فأفتى كبيرهم عمر الحدوشي بتكفير كل متعاون مع الفرنسيين مستدلا على ذلك بفتوى أئمة الوهابية والتطرف، فيما وصف أبو حفص هذا التعاون ب "الإثم"، واكتفى حسن الكتاني باستنكار مثل هذه الخطوة.
ولقد نسي هؤلاء جميعا أن المغرب معني بما يقع بشمال مالي، لأن القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي، لا ينحصر طموحها في مجرد إقامة "دولة الخلافة" في تلك البقعة، بل تسعى إلى محاربة ما تسميه " الطاغوت" في كل بلاد الغرب الإسلامي عن طريق الشباب المغرر بهم، والذين يتم تحويلهم في مصانع "الجهاد الإسلامي" إلى إرهابيين عن طريق الشحن الإديولوجي أولا، و الدروس النظرية على استعمال السلاح ثانيا، قبل أن يتم الزج بهم في المعارك من أجل اكتساب خبرة ميدانية ثالثا، وكل ذلك في أفق استثمار هذا التكوين بعد عودتهم إلى بلدانهم للقيام بعمليات إرهابية سواء في ضرب السياحة أو الهجوم على مقرات الجيش والدرك والأمن أو اغتيال الأشخاص.
إن الأمر لا يتعلق، في هذه الحالة، بتدخل في شؤون دولة إسلامية، كما يعتقد شيوخ السلفية، وإنما بإنقاد دولة إسلامية من بين براثن الجماعات الإرهابية التي تستغل الدين من أجل الوصول إلى الحكم، ولا تتردد في ممارسة أبشع أشكال القتل والتنكيل بكل من خالفها الرأي.
المغرب معنى بما يقع في مالي، لأن عددا من الشباب المغاربة زُج بهم أو اختاروا، هذه المعركة، عن جهل أو عن قناعة أو تحت إغراء المال، وسيتحولون إلى قنابل موقوتة لما يتسللوا عائدين إلى المغرب.
المغرب الذي تجرع مرارة الأعمال الإرهابية من البيضاء إلى مراكش، لا يمكن أن يقف موقف المتفرج مما يقع في مالي، وفتحُ الأجواء أمام المقاتلات الفرنسية " أضعف الإيمان".