لم يجد عبد العزيز أفتاتي ( القيادي في العدالة والتنمية) ما يثير به الانتباه، خلال رحلة جوية، على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية المصرية، سوى " التحرش" بالمضيف أولا ثم الاحتجاج على عرض فيلم، قيل أنه يتضمن لقطات ساخنة، ثانيا.
طبعا أفتاتي المعتاد على إحداث الضجيج حد الصخب، لم يجد ما يفتتح به الشغب على متن طائرة، لا سيادة له عليها، بما أنها ( الطائرة) في القانون الدولي امتداد للسيادة الترابية للدولة التي تملكها إلا استفزاز مضيف بسؤال عن لبْس في مواد الدستور المصري يتعلق بمنع التعدد النقابي.
هكذا تحوّل أفتاتي من " زعيم" يلقي الخطب ويوزع التهم إلى مجرد تلميذ يستنجد بمضيف مهمته توفير الراحة للمسافرين، لا شرح مواد الدستور، فكان طبيعيا أن ينتفض في وجهه المضيف، بجواب بليغ " أنا لا أعترف لا بمرسي ولا بخيرت شاطر"، وكأنه أدرك بحدسه أن أفتاتي يريد أن يجره إلى الحديث عن هذه التجربة، التي يبدو أنه مغرم بها حتى النخاع، بالرغم من أن مرسي لم يفز في الانتخابات إلا بشق الأنفس، ودستور الإخوان المسلمين يرفضه خمسا الشعب المصري.
وهكذا صمت عبدالعزيز أفتاتي في مقعده، واستغرق في قراءة قصة " الطنطورية" للكاتبة رضوى عاشور ( التي تحكي قصة قرية طنطورة الواقعة على الساحل الفلسطيني جنوب مدينة حيفا والتي تعرضت سنة 1948 لمذبحة على يد العصابات الصهيونية. وتتناول الرواية هذه المذبحة كمنطق وحدث من الأحداث الرئيسية لتتابع حياة عائلة اقتلعت من القرية عبر ما يقارب نصف قرن مرورا بتجربة اللجوء إلى لبنان. وبطلة الرواية هي امرأة من القرية يتابع القارئ حياتها من الصبا إلى الشيخوخة).
وبينما سي عبدالعزيز مستغرق في هذه الأحداث سمع ضجيج زملائه الذي لم ترقهم مشاهد فيلم، وودوا لو يستبدلونه بفيلم آخر رغم أن " الدين بمعزل عن الفن"، لمجرد أنه يتضمن لقطات وصفوها بـ "الساخنة" من دون أن يكشفوا لنا هل هذا الفليم " بورنوغرافي" أم " أيروتيكي" أم " رومانسي" أم مجرد فيلم عادي أملت الضرورة الفنية تأثيثه بقبلة، غير أن المضيف قابل الاحتجاج بلباقة ذكية وخاطب أفتاتي قائلا: " لا سياسة في الطائرة".
ولو أن أفتاتي اعتبر نفسه مجرد مسافر في طائرة لما تعرض لكل هذه " الإهانة"، لأن المثل الشعبي يقول: " الفم المزموم ما تدخلو دبانة"، لكنه اختار الكلام، فتلقى الرد الأنسب، ولم يجد ما يبرر به ما تعرض له سوى اتهام المضيف بأنه مناهض للإصلاحات التي تعرفها مصر، رغم أن ما يعتبره أفتاتي إصلاحا يعتبره المصريون المعنيون المباشرون بما يجري في بلدهم إفسادا للحياة السياسة.
رشيد الانباري.