يبدو بيان 13 يناير مجرد طفل لقيط، لا أحد يقف وراءه، ولكن البعض يلهث من أجل تبنيه، وذلك في خضم العلاقات الشرعية التي أسست لها الإصلاحات الدستورية والسياسية، والنخب الجديدة التي أفرزتها الانتخابات السابقة لآوانها، وأهلت حزب العدالة والتنمية لقيادة تجربة حكومية جديدة، مهما يُقال عليها، فإنها تبقى، مع ذلك نتاجا لزواج شرعي بين الناخبين وصناديق الاقتراع.
ولأن البيان صيغ بحبر لقيط أو لقطاء، فإنه يحاول تعويم النقاش، فعوض أن ينشغل بالبحث عن حقيقة هويته، والإفصاح عن وجهه بكل وضوح، اختار لغة التصعيد والضجيج، عل ذلك يلهي الناس عن التمحيص في هذه الهوية، ويجعلها مجرد قضية ثانوية، وذلك بأنْ ينكر على الملكية كل ما قامت به من إصلاحات تجاوزت سقف مطالب الشارع ( حركة 20 فبراير)، و طموحات الأحزاب السياسية.
لقد أغفل البيان أن الدستور الجديد خول للحكومة سلطات واسعة، وعزز استقلالية السلط عن بعضها البعض، بل إن الملك اختار ،تلقائيا، أن يزيل طابع القداسة عن شخصه، وأن يعوض ذلك بـ "الاحترام الواجب للملك"، كما نسى البيان أن يد القضاء أصبحت طويلة جدا وتطال كل المشبته في تورطهم في قضايا فساد مهما كانت رتبهم في هرم السلطة، وأن لا أحد أصبح بمنأى عن المساءلة في إطار المبادئ التي سطرها الدستور.
كما أغفل البيان أن مطالب الشارع كانت دائما ذات صبغة اجتماعية تتعلق بمحاربة الفساد والريع، وحل معضلة التشغيل وغلاء الأسعار، وأن صور الملك تُحمل في عز هذه الاحتجاجات، لأن الشعب يرى في الملك، دائما، ملاذا آمانا للإنصاف والاحتماء حتى من هراوات الأمن حين يتدخل لفض مظاهرة احتلت الشارع العام.
الآن، بعد أن مر "الربيع العربي" على هذه البلاد بسلام، يأتي شخص "نكرة" تبرأت منه كل أطياف المشهد بما في ذلك الأكثر تطرفا ( حركة 20 فبراير ـ جماعة العدل والإحسان) من أجل أن يُحمّل المسؤولية للملك، من دون أن تكون له الجرأة ليكشف عن نفسه، وكأن المغاربة لا يعرفون أن هناك سلطة تنفيذية تشرف على تدبير المرفق العام، وبرلمان يُشرع القوانين ويُراقب الحكومة، وقضاء يفصل بين الناس، وأن الملك هو صمام أمان من كل الانزلاقات التي قد تحدث، لأنه هو ضامن الوحدة والاستقرار، الذي لن تهز أية شعرة فيه لا حركة 20 فبراير و لا "قومة" العدل والإحسان، ولا هذا اللقيط الذي جاء متأخرا في شكل بيان 13 يناير.