مؤامرة تحريض الشارع المغربي المكشوفة لحاجات في نفوس اليعاقيب
أضيف في 12 يناير 2013 الساعة 50 : 17
كل من أراد فهم الوضع السياسي بشكل صحيح في المغرب فعليه أن يستحضر قضية رفض نتيجة الانتخابات البرلمانية التي أفرزت فوز التيار الإسلامي الذي مر بمرحلة المنع من ممارسة العمل الحزبي والسياسي ، فمرحلة الوجود المحدد والمقنن ثم مرحلة الوصول إلى مراكز القرار . وتجنبا لتداعيات الربيع العربي الذي كشف ميل الشعوب العربية إلى التشبث بهويتها بعد التأكد من أن الهوية المستوردة من الخارج لم تفدها في تجاوز عقدة التخلف، حاول النظام في المغرب امتصاص غضب الشارع من خلال تسريع وتيرة بعض التغيير السياسي من خلال دستور جديد ، ومن خلال السماح بلعبة ديمقراطية أفرزت وصول التيار الإسلامي إلى مراكز القرار والتدبير. ومعلوم أن التيار الإسلامي تبنى رغبة الشعب في مواجهة الفساد الذي صنعته أحزاب تعاقبت على حكم البلاد جنبا إلى جنب مع النظام . ومعلوم أن الأحزاب قبلت نتيجة اللعبة الديمقراطية مضطرة لأنها كانت تخشى من تداعيات الربيع المغربي على غرار تداعيات الربيع العربي الساخن في بعض الأقطار. ولما أحست هذه الأحزاب بهدوء عاصفة الغضب الشعبي ، لم يرضها أن تستتب الأمور لحكومة التيار الإسلامي، فانبرت لخلق كل أنواع العراقيل أمام هذه الحكومة حتى عن طريق التلفيق المكشوف والكاذب . ويعرف المغرب اليوم وضعا سياسيا غريبا حيث توجد لأول مرة في تاريخه معارضة حزبية ضمنية وأخرى صريحة . أما الصريحة فتمثلها أحزاب منها التي استهدف فسادها الربيع المغربي ، وأما الضمنية فهي المنخرطة شكلا في حكومة التيار الإسلامي إلا أن هواها مع المعارضة الصريحة المتربصة . ووراء هذا الوضع السياسي غير الطبيعي تطبخ مؤامرة الهدف من ورائها النيل من حكومة التيار الإسلامي عن طريق تحريض الشارع المغربي لتحوير ربيعه وتغيير مساره من رفض للفساد إلى رفض لحكومة التيار الإسلامي من أجل التمكين للأطراف الخاسرة في اللعبة الديمقراطية . ويحرص خصوم حكومة التيار الإسلامي على صرف الأنظار عن حقيقة لا غبار عليها وهي أن هذه الحكومة تسلمت زمام الأمور ووضعية المغرب الاقتصادية والاجتماعية سيئة للغاية بسبب سنوات الفساد المتتالية . ويحاول خصوم حكومة التيار الإسلامي نسبة هذه الوضعية السيئة لها مع سل شعرتهم من عجين فساد هم من عجنه . وبات كل قرار تفكر فيه حكومة التيار الإسلامي من أجل مواجهة هذه الوضعية المزرية موضوع نقد وتجريح . ولسنا ندري كيف ستتمكن هذه الحكومة من معالجة هذه الوضعية دون اعتماد قرارات شجاعة وجريئة قد لا يطيقها الشعب الذي أنهكه الفساد ولكنها ضرورية كضرورة الدواء المر. ويحرص خصوم حكومة التيار الإسلامي على عدم تمكينها من فرصة معالجة هذه الوضعية ، وشأنهم شأن من يعرقل عمل طبيب قبل أن ينهي عمليته الجراحية لمريض يوشك على الموت من أجل اتهامه بأن موته سببه العملية الجراحية وليس المرض العضال . ورهان خصوم حكومة التيار الإسلامي اليوم هو التحريض على تحريك الشارع المغربي من جديد من أجل العودة إلى أجواء الربيع المغربي طمعا في أن ينقلب الربيع من ربيع ضد الفساد الذي صنعه خصوم حكومة التيار الإسلامي إلى ربيع ضد العمليات الجراحية التي تقوم بها هذه الحكومة من أجل استئصال أورام الفساد الخبيثة التي تنخر جسم هذا الوطن . ويحتال خصوم حكومة التيار الإسلامي في المعارضة بشكلها الضمني والصريح على الشعب المغربي ، وتحديدا على الطبقات ضحية الفساد من أجل إقناعها بأن هذه الحكومة لا تسير في اتجاه الوقوف إلى جانبها بل تسير نحو التضييق عليها في معيشتها. ويراهن خصوم حكومة التيار الإسلامي على العاطفة الشعبوية الجامحة من أجل تحريك الشارع لحاجات في نفوس اليعاقيب . ومن الدناءة وسوء الخلق أن تركب تظاهرات بعض الفئات الاجتماعية ، ويستغل خروجها ، ويحور من خروج يستهدف الفساد إلى خروج ضد قرارات حكومة تحاول إخراج البلاد من جحيم الفساد . ويتظاهر بعض المنافقين بأنهم يتعاطفون مع خروج هذه الفئات ، ويرفضون كل شكل من أشكال قمعها كما يصفونه ، والحقيقة أنهم يحرضونها على الفوضى من أجل تحقيق هدف إسقاط حكومة التيار الإسلامي ، وتقديم البديل عنها من نفس التيارات الحزبية التي صنعت الفساد على اعتبار أن حكومة التيار الإسلامي لم تستطع أن تخرج الوطن من ورطة الفساد ، وأنها عوض القضاء على الفساد والمفسدين أرهقت الشعب بقراراتها غير الموفقة . ولو كانت نتيجة الربيع المغربي قد أفرزت لعبتها الديمقراطية فوز خصوم التيار الإسلامي ، وقام هذا الأخير بما يقوم به هؤلاء الخصوم من تحريض لقامت دنياهم ولم تقعد ، ولنعت هذا التيار الإسلامي بأبشع وأشنع النعوت أقلها أنه يريد زعزعة استقرار الوطن وممارسة الإرهاب . ألا يجدر بمن رفضهم الربيع المغربي أن يمسكوا على الأقل ألسنتهم ، و يكفوا أذاهم عن التيار الإسلامي ، وهو يحاول إخراج البلاد من المأزق في ظل أزمة اقتصادية خانقة في كل أرجاء المعمور ؟ ألا يخشى خصوم التيار الإسلامي أن ينقلب تحريضهم للشارع المغربي عليهم كانقلاب السحر على صاحبه ؟ ألا يخشى المحرضون أن يكون نتيجة التحريض فوضى عارمة تأتي على الأخضر واليابس ، وتزعزع استقرار بلد كل ما يفخر به أنه تجنب مصير غيره من البلاد العربية التي تسيل فيها الدماء وديانا ؟ وأخيرا لابد أن نقول لشعبنا العظيم أنه بوعيه الذي لازمه طيلة تاريخه الطويل المجيد لن يكون لقمة سائغة بالنسبة لشيطنة المحرضين ، ولن يستجيب للفوضى والتخريب ، بل سيمضي في المطالبة بمحاربة الفساد ، وهو يعرف بذكائه من هم المفسدون ، ويميز بين الناصح والمحرض ، وبين الباكي على مصالحه والمتباكي الذي يروم تحقيق أطماعه الحزبية على حساب استقرار الوطن . ولن تفيد الأحزاب المحرضة على التيار الإسلامي سياسة تغيير قياداتها ، ولعلها قد أخطأت التقدير والحساب عندما فكرت في القيادات الشعبوية المتهافتة ظنا منها أن وعي الشعب المغربي متخلف بحيث لا يستطيع أن يميز بين الشعبية والشعبوية . إن حلم القيادات الحزبية الشعبوية بقيادة البلاد من شأنه أن يزعزع استقرار هذا الوطن ، ويجره إلى ما لا تحمد عقاباه لا قدر الله .