محمد أمزيل.
قد يكون هذا التاريخ ضربة قاضية أخرى لمحترفي الوقفات و المسيرات الاحتجاجية بالمغرب، 13 يناير يصادف يوم الأحد الذي سبق لما سمي بحركة العشرين من فبراير أن احتكرته كموعد أسبوعي للاحتجاج لما يقارب العام قبل أن يتخلى عنها أتباع جماعة العدل و الإحسان، و يتبين فيما بعد أن القوة العددية مرتبطة بما لا يدع مجالا للشك بالعدد الهام لمناصري الشيخ ياسين.
قبل أسابيع وافت المنية شيخ الجماعة و قبل ذلك بكثير ماتت حركة الفبراريين و الحقيقة أن عوامل تدهورها داخلية أكثر منها خارجية، و ظهر لشباب الحركة و كهولها أن تعاطف المجتمع مع مطالبها في البداية كان بسبب حراك عام و غير مسبوق عرفته المنطقة، و لأن مهندسي النظام لم يتركوا الحدث دون أن تكون لهم البصمة التي غيرت السيناريوهات المحتملة لحركة لم يعرف مؤسسوها كيف يجعلون منها هيئة أو تنسيقية منظمة بمشاريع و أجندة واضحة أكثر من الاحتجاج و الوقفات و الشعارات و الجموع العامة التي تنعقد لكي لا تنتهي.
اليوم لم تعد حركة عشرين فبراير سوى لافتة يتناوب على حملها رادكاليون غارقون في أدبيات سياسية أكل عليها الدهر و شرب، بل إن ذكر اسم الحركة لم يعد يخيف النظام المخزني الذي استطاع أن يختزل شعارات الفبرايريين في المطالبة باطلاق سراح مغني الراب و المقنع و عدم الضرب و الجرح خلال المظاهرات. و إذ أتأسف لما وصلت اليه الحركة أذكر أصدقائي الفبرايريين ذات يوم و خلال النقاشات الدائرة حينها على الفايسبوك حيث كنت أنتقد منهجية عملهم و عدم وضوح رؤيتهم و سوء اختيارهم لمن يمثلهم و يتحدث باسمهم، و ما كان منهم إلا أن نُعتُّ بأقدح الأوصاف و عبارات التخوين و المخزنة. أسألهم اليوم أين نجيب شوقي و سعيد بن الجبلي و أسامة الخليفي و غيرهم ممن وصفوا بالثوار و حاملي مشعل التغيير.
نداء 13 يناير هذه المرة يجر معالم فشله قبل وصول موعده، و السبب هذه المرة خارجي أكثر منه داخلي، فالغالبية العظمى تترقب بكثير من التشاؤم مصير بلدان غارقة في حرب طاحنة بسوريا و أفق غير واضح بمصر و تبعية مفروضة على ليبيا و تدهور محتمل لاقتصاد تونس و بوادر للانفصال باليمن، و أنا هنا لا أقلل من ضرورة التغيير بهذه الدول التي عانت من الاستبداد و لكن غيري يتساءل بأي ثمن يتحقق التغيير و من سيدفع فاتورة الثورات و الفترات الانتقالية؟
الحل بالنسبة للمغرب يتمثل في سيناريوهات أخرى غير تلك التي سارت عليها دول الربيع "الأحمر"، فأنا لا أتهرب من وصف منظومة الدولة المغربية بالاستبدادية و التحكمية، و لا أنكر أن الفئة المتحكمة في هذا البلد تستمد قوتها من سيطرتها على الموارد الاقتصادية و تسخيرها لنظام من الامتيازات و الريع بكل أنواعه لشل أي ظهور لفئات اجتماعية ناجحة قادرة على فرض تصورها الديموقراطي و التنموي العادل. الحل إذن يتطلب استغلال المنافذ التي يمكن من خلالها فك آليات الاستبداد و التحكم في القرار السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي، هذه المنافذ المتوفرة حاليا تتمثل في دستور جديد يقر مجموعة من الحريات التي يجب استثمارها في مواجهة القمع و التضييق، و ورش الجهوية الذي يعني الكثير في مواجهة مركزية و تمركز القرارات المصيرية لمناطق تختلف مشاكلها و طموحات أهلها عن غيرها.
إن كانت فئة ما تريد تشغيلا مباشرا فلا يجوز لها أن تحرق البلاد كي تصل لذلك، و إن كانت فئة ترغب في سكن لائق فلا يجوز أن تخرب البلد على من فيه من أجل ذلك، و إن كانت فئة تسعى للوصول إلى المواقع فلا يجوز لها أن تمر على أكتاف الناس لكي تحقق ذلك... المطالب الاقتصادية و الاجتماعية لا تتحقق إلا بتحقق النمو، و النمو العادل المستدام لا يتحقق إلا بالديموقراطية، و الديموقراطية الحقيقية ليست منتوجا جاهزا، لكنها تمرين و ممارسة و آليات للعمل. و لن نصل يوما إلى دمقرطة حقيقية للمجتمع إلا عبر دخول جيل جديد من السياسيين لمواقع القرار، و تكون جيل جديد من الفاعلين الاقتصاديين المؤمنين بروح المبادرة و تأسس جيل جديد من منظمات المجتمع المدني القادرة على تأطير و ادماج الفئات الهشة في سيرورة التنمية و التطور المنشود.
الحركات الإحتجاجية بالمغرب كانت و لا زالت ورقة من الأوراق التي تستعملها جهات مختلفة لتحقيق مكاسب على الأرض أو تحت الطاولة، و أبانت التجربة إلى أن استغلال سذاجة الناس و اللعب على معاناتهم و إن مكنت أشخاص بعينهم من تحقيق أهدافهم غير المعلنة، فإن ذلك يعد لعبا بنار قد تأتي على الأخضر و اليابس. و المطلوب اليوم أن يفطن الجميع خصوصا الشباب منهم إلى كيف يستعمل أوراق الضغط و أين و متى لتحقيق مكاسب هامة بأقل الأضرار الممكنة ما دامت لذلك منافذ و مجالات للاشتغال أكثر نجاعة من مجرد رفع الشعارات و كثرة الكلام بدل العمل.