في هذا الحوار يسلط الدكتور الشعباني مختص في علم الاجتماع، الضوء على الأسباب الاجتماعية التي تجعل شريحة من الناس تحترف النصب والاحتيال كباب للرزق، والأسباب التي تدفعهم إلى سلوك هذا السلوك المنحرف مجتمعيا، والإجرامي قانونيا، حيث أرجأ الشعباني سببها إلى انتشار الأمية وقلة الفرص.
من بين الجرائم التي تدخل في خانة النصب والاحتيال، جريمة انتحال الصفة، ما الذي يدفع البعض لارتكاب هذه الجرائم؟
انتحال الصفة هو أسلوب من أساليب النصب والاحتيال، لأن للنصب كما هو معلوم طرق وأساليب مختلفة، فبعض النصابين يلتجؤون لانتحال شخصيات ومهن لها علاقة بالسلطة، لعلمهم بأن المجتمع يحترم ويقدر رجال السلطة، فهذا النوع من النصابين له مقومات وصفات تخول له إخفاء حقيقته. ويكون في الغالب طويل القامة، وله هندام يتناسب مع هيئة رجال الأمن أو الدرك أو القضاء، أو شخصيات سياسية أو إعلامية، ويختار الصفة التي تلائمه، ويرى اللعبة التي بإمكانه إتقانها، ولا يريد أن يتم اكتشاف أمره بسرعة، فيتدرب على اتقان الشخصيات والمهن التي ينتحلها لغاية تحقيق مكاسب مادية أو امتيازات، وأموال ومصالح.
ماهي الأسباب التي تؤدي ببعض الأشخاص إلى سلوك النصب والاحتيال كمورد للرزق؟ هل للأمر علاقة بالتفاوت الطبقي الذي أفرز فئة غنية حد التخمة وفئة محرومة؟
لا علاقة للأمر بالتفاوت الطبقي، فهناك من يعرف كيف يدبر موارده وينتج، وهناك من لا يستطيع الانتاج. المجمتع قد يخلق مثل هذه الطبقات الإجتماعية، رغم أن السياسات الاجتماعية والاقتصادية هي الأخرى تساهم بدورها في التفاوت الطبقي، لكن لا علاقة لهذا كله بالنصب والاحتيال لأنه عمل منحرف، يقوم به أناس محترفون إن لم نقل مجرمين، لأنهم يعرفون في قرارة أنفسهم عدم قدرتهم على المنافسة ومجاراة الآخرين من حيث الإنتاجية، فيلتجئون إلى الحيل وبعض الأساليب، التي تمكنهم من احتراف النصب والاحتيال إما بتعلمها أو يكونون مزودين بشكل فطري بملكات وخصائص جسمانية تمكنهم من أخذ حق ليس لهم فيه أي حق. نوعية هذه الأشخاص لا يعرفون كيف يحصلون على قوتهم، بمجهودهم الخاص لكنم يسخرون ذكاءهم في إلحاق الأذى بالغير، لأن النصب حيل ومخاطرات تكون زاد المحتالين والنصابين لتحقيق بعض الامتيازات والمكاسب، التي لا يقدرون على توفيرها بالأمور المشروعة القانونية السليمة، التي يشجع عليها المجتمع ويحبذها.
لذا فالنصاب شخص غير عادي من حيث السلوك، لأنه يستغفل الآخرين ويستخدم ذكاءه للإيقاع بهم، وأخذ ما لا ليس له، وما لا يقدر على أخذه أو الوصول إليه بمجهوده والطرق السليمة التي تدخل في خانة الكسب المشروع.
مؤخرا يلاحظ ارتفاع ملحوظ في جرائم النصب والاحتيال وانتحال الصفة، هل هنالك تفسير لهذه الظاهرة من وجهة نظر اجتماعية لهذا المرض المجتمعي الجديد؟
شخصيا أرى هذا الإرتفاع طبيعيا، ففي الوقت الذي تقل فيه الفرص، ويكون فيه الكثير من الأفراد إما سذجا، أو جهلة وأميين، في مجتمع ترخي الأمية عليه بظلالها، وتقل فيه فرص الكسب المشروع، من الطبيعي أن يظهر المحتالون والنصابون. فالنصب والاحتيال لا يرقى إلا في تربة مناسبة، وهذه التربة تتوفر في المجتمعات التي ترزح تحت الأمية ويتفشى فيها الجهل، وتقل فيها فرص العمل، ويكثر فيها الظلم وكذلك تتفشى بين الناس السذاجة والثقة العمياء في الآخرين. ما يعجل العديد من الناس يسقطون ضحايا النصابين والمحتالين، فلذلك وجب الحيطة والحذر وإشاعة الوعي، وقيم العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، لأن هذه الظاهرة لها علاقة باللامساوة في الحظوظ، لأن النصاب والمحتال يرى في الآخر، السبب وراء ضياع حقه، لذلك يستعمل كل الوسائل التدليسية لاسترجاع ذلك «الحق»، لأنه يعتبر ما يقوم به من وجهة نظره ليس سوى محاولة لاسترجاع حقه المستلب، وهو مقتنع بذلك. وفي مجمتعنا المغربي الحالي أصبح العديد من الأفراد يحسون بنوع من الضيم ويشعرون أن حقوقهم مستلبة من طرف أثرياء آخر الزمان، عن وعي وعن غير وعي، لذا يستعمل النصاب ذكاءه ومواهبه في الاحتيال لاسترجاع «حقوقه».
حاوره:أنس بن الضيف